تعتبر فرنسا إحدى الدول الأوروبية التى استطاعت فى النصف الأول من
التسعينات أن تحافظ على علاقات وطيدة بمستعمراتها الأفريقية السابقة، بل
ربما كانت الدولة الأولى فى هذا المجال، إذا ما قورنت بالدولة الاستعمارية
الأخرى، مثل بريطانيا وإيطاليا والبرتغال تمكنت فرنسا من بلوغ هذه المرتبة
المتميزة فى علاقاتها الأفريقية، نتيجة لسياسة تعاونية محكمة ودقيقة طبقتها
فى بعض الدول الأفريقية فى المجالات العسكرية والاقتصادية والثقافية وكانت
لهذه السياسة مرتكزات هامة، تهدف إلى الإبقاء على دورها المؤثر فى السياسة
العالمية، لاسيما فى ظل الحرب الباردة بين العملاقين الولايات المتحدة
الأمريكية والاتحاد السوفيتى السابق غير أن المتتبع للسياسة الفرنسية
الأفريقية، يلاحظ أن ثمة تطورات جدت فى التسعينات وتهدد صلابة النفوذ
الفرنسى فى القارة، ولهذه التطورات أسباب عديدة بعضها جاء نتيجة للمتغيرات
الدولية، وبخاصة انتهاء حقبة الحرب الباردة وسيادة النظام العالمى الجديد
حيث سيطرة القطب الواحد، وبعضها ترتب على تغيرات فى الظروف المحلية
الأفريقية، والبعض الآخر جاء مواكبا لتعديلات جرت على السياسة الداخلية
الفرنسية ذاتها وفى إطار المتغيرات الدولية، يلاحظ أن أهم الظواهر التى
تعرقل استمرارية التأثير الفرنسى القوى فى القارة هى الثقل الأمريكى
المتصاعد فى كثير من الدول الأفريقية، ومنها دول فرانكوفونية، ثم انتشار
الإسلام السياسى فى أنحاء مختلفة من القارة من ثم قد يكون مفيدا أمننا
القومى فى مصر، أن نتابع هاتين الظاهرتين، وندرس تطوراتهما، والخطط
السياسية التى تطبقها فرنسا كمحاولة لتحجيمهما فهما يعتبران من أهم المشاكل
التى قد تعوق التنمية الاقتصادية والسياسية فى مصر، وتعرقل الاستقرار
المحلى والإقليمى، لذا ينبغى على مصر، وهى تخطط لأمنها القومى، أن تضعهما
فى اعتبارها على ذلك سنركز فى هذه الدراسة على النقاط التالية:
أولا: المصالح الفرنسية فى القارة الأفريقية
ثانيا: آليات السياسة الفرنسية فى أفريقيا
ثالثا: المتغيرات التى أثرت فى السياسة الفرنسية فى أفريقيا
رابعا: تأثير السياسة الفرنسية الأفريقية الجديدة على الأمن القومى المصرى
- المصالح الفرنسية فى القارة الأفريقية:
حددت المصالح الفرنسية أسس وآليات السياسة التى نفذتها فرنسا فى أفريقيا
حتى التسعينات وقد تشعبت هذه المصالح حتى غطت ثلاثة مجالات أساسية هى
المصالح الاقتصادية والاستراتيجية والسياسية
- 1المصالح الاقتصادية:
تركزت المصالح الاقتصادية الفرنسية فى القارة الأفريقية فى البحث عن أسواق
لتصريف السلع الفرنسية المصنعة، وعن موارد أولية لتنمية الصناعات الفرنسية
المدنية، فإذا علمنا أن فرنسا تعانى نقصا فى هذه الموارد داخل أراضيها،
وأنها مضطرة لاستكمال هذا النقص من خارج حدودها للحفاظ على صناعاتها،
لقدرنا قيمة دول الجنوب بالنسبة إليها غير أن فرنسا أدركت بعد الحرب
العالمية الثانية، أن المنافسة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى
ستزداد حدة، وسيكون مجالها الرئيسى هو أوروبا وآسيا والشرق الأوسط، ومن ثم
أصبح المجال الدولى الوحيد الذى يمكن أن يظل مفتوحا أمام النفوذ الفرنسى
وبعيدا عن المنافسة مع الدولتين العظميين هو القارة الأفريقية
ولمزيد من الاستفادة الاقتصادية من القارة، قسمت فرنسا ـ فى مرحلة الحرب
الباردة ـ الدول الأفريقية إلى أربع مجموعات رئيسية وكانت المجموعة الأولى
مكونة من المستعمرات فيها عاملا رئيسيا فى ازدهار الاستثمارات الفرنسية،
ونذكر على سبيل المثال السنغال، الكويت ديفوار، الجابون، الكاميرون أما
المجموعة الثانية فكانت تتكون من دول أفقر ولكنها واعدة بالنسبة لمواردها
الاقتصادية، بالإضافة إلى أهمية موقعها الاستراتيجى، ونذكر على سبيل المثال
تشاد، موريتانيا، أفريقيا الوسطى، أما المجموعة الثالثة فتكونت من الدول
الأفريقية التى كانت قد ابتعدت بنظمها الاقتصادية والسياسية عن دائرة الدول
الغربية، وقد تناقصت الاستثمارات فيها، حتى بلغت الحد الأدنى لها فى
الثمانينات، ونذكر منها بنين ومدغشقر أما المجموعة الأخيرة فكانت الدول
الأفريقية التى لم تخضع فى يوم من الأيام للسيادة الفرنسية والتى تضم أرضها
كنوزا من الثروات الطبيعية المختلفة وقد نفذت إليها فرنسا تدريجيا منتهزة
فرصة إما وحدة اللغة التى تجمع فرنسا بالمستعمرات البلجيكية السابقة وإما
ضعف الدولة المستعمرة القديمة كبلجيكا وبريطانيا والبرتغال ونذكر على سبيل
المثال: الكونجو الديموقراطية (زائير سابقا) رواندا، بوروندى، أنجولا،
موزمبيق، كينيا، زيمبابوى نيجيريا، موريشيوس، سيشل، ليبيريا، سيراليون،
وجنوب أفريقيا
وتأسيسا على هذه السياسة، اتسعت المصالح الاقتصادية الفرنسية عبر القارة،
حتى بلغ عدد الشركات الفرنسية التى تعمل فى أفريقيا حوالى ألف وخمسمائة
شركة
غير أن المنافسة الدولية بين العملاقين قد اتجهت، نتيجة لتغير الظروف
الدولية، نحو الجنوب ساعية لكسب مناطق نفوذ جديدة فى عمق القارة الأفريقية
وقد تصاعدت هذه المنافسة بين الدولتين العظميين فى السبعينات والثمانينات
مما حمل الحكومات الفرنسية عبء الدخول طرفا ثالثا فى هذه اللعبة الدولية،
بحيث تحافظ على التوازن الدولى لصالح الكتلة الغربية
2المصالح الاستراتيجية
تركزت المصلحة الاستراتيجية الفرنسية فى أفريقيا فى العناصر الأساسية التالية:
ـ 1 ـ الوصول إلى الموارد الطبيعية الاستراتيجية التى تملكها القارة
الأفريقية والتى تلزم لتنمية الصناعات الثقيلة والنووية الفرنسية،
كالهيدروكربير واليورانيوم ومن المعروف أن المخزون من هذه الموارد فى
القارة الأفريقية كبير بالقياس إلى المخزون العالمى
ـ 2 ـ السيطرة على المواقع الاستراتيجية فى بعض الدول الأفريقية، فمثلا
تعطى القاعدة العسكرية الفرنسية فى جيبوتى لفرنسا ميزة عامة، ألا وهى
مراقبة المدخل الجنوبى للبحر الأحمر، وهو الممر المائى بالغ الأهمية على
المستوى الاستراتيجى والتجارى وذلك لمشاطأته للملكة العربية السعودية،
وقربه من بقية دول الخليج، بالإضافة إلى ربطه لخطوط التجارة العالمية بين
جنوب وشرق آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط
ـ 3 ـ شكل التسلل السوفيتى إلى القارة الأفريقية فى السبعينات والثمانينات،
خطر على مصالح المعسكر الغربى وبخاصة فرنسا ومن ثم كان هدف فرنسا فى تلك
الحقبة هو منع انتشار النفوذ السوفيتى فى القارة، أو على أقل تقدير الحد من
انتشاره فلما انتهت الحرب الباردة، وسقط الاتحاد السوفيتى، أصبح الخطر
الرئيسى الذى يتهدد المصالح الفرنسية فى أفريقيا هو:
أولا: الولايات المتحدة الأمريكية التى تحاول أن ترمى بثقلها فى القارة منذ مطلع التسعينات
وثانيا: الإسلام السياسى الذى أخذ يتزايد فى التسعينات فى القارة الأفريقية
وجدير بالذكر أن نسبة المسلمين فى الدول الفراكوفونية، تتراوح بين 100% فى
جيبوتى و 58% فى تشاد مرورا بالسنغال حوالى 90% مما يشكل بيئة صالحة
لانتشار الإسلام السياسى ومن ثم يصبح هدف فرنسا هو عمل حزام واق على ساحل
الصحراء الإفريقية الكبرى، يمنع تسرب الإسلام السياسى إلى الجنوب وتستطيع
فرنسا إلى حد معقول القيام بهذه المهمة، اعتمادا على تواجدها فى دول غرب
ووسط أفريقيا، وتحالفها مع القادة الأفارقة التقليدين مثل إدريس دبى فى
تشاد وعمر بونجو فى الجابون
3 المصالح السياسية والدبلوماسية:
ـ 1 ـ يمثل الحفاظ على استقرار الأنظمة الأفريقية هدفا أساسيا للسياسة
الفرنسية فى القارة فهذا الاستقرار يقلل من احتمال اندلاع الحروب الأهلية
بين العرقيات والقبائل المختلفة، لذلك فهى تفضل مساندة النظم القائمة
القوية رغم سلبياتها، عن تشجيع نظم جديدة لا تعرف بعد مدى قدراتها على
السيطرة على شعوبها، ويؤدى هذا الاستقرار إلى ازدهار الاستثمارات الفرنسية
فى القارة
ـ 2 ـ على الدبلوماسى، تتيح العلاقات المتعددة القوية بين فرنسا والدول
الأفريقية، مساندة دبلوماسية أفريقية واسعة لفرنسا فى منظمة الأمم المتحدة،
مما يسمح لها بالاحتفاظ بمكانتها فى مجلس الأمن كدولة كبرى دائمة العضوية
فيه .
ـ 3 ـ تصبح الدولة قوة سياسية كبرى، حينما تصل إلى التأثير فى التوازن
الدولى بقوتها الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية وقد استطاعت فرنسا أن
تلعب هذا الدور فى حقبة الحرب الباردة مستعينة فى ذلك بصلابة مركزها فى
القارة الأفريقية ومن ثم نستطيع أن ندرك خطورة التهديد الأمريكى الجديد على
المصالح الفرنسية، ومحاولات فرنسا الدءوبة للتمسك بما تبقى لها من نفوذ فى
القارة، وحرصها على الاستفادة من أية ثغرة فى السياسة الأمريكية فى
أفريقيا.
آليات تنفيذ السياسة الفرنسية فى أفريقيا السياسية العسكرية:
(1) القواعد العسكرية:
كانت فرنسا تملك فى سنة 1960 حوالى مائة قاعدة عسكرية فى القارة الأفريقية
غير أن ارتفاع التكلفة والتطور التكنولوجى فى الوسائل العسكرية وتطور
الأنظمة الأفريقية ذاتها، دفع فرنسا إلى تصفية هذه القواعد حتى وصلت اليوم
إلى ست فقط .
فى ظل النظام العالمى الجديد، اضطرت فرنسا إلى تطوير سياستها فى التعاون
العسكرى مع أفريقيا، فاعتمدت فى سنة 1993 خطة حديثة تقوم على فكرة إنشاء
قوة للتدخل السريع (FAR) فى جنوب غرب فرنسا، فى عدة منطق مثل تولوز ونانت
ورين وتستطيع هذه القوات أن تتدخل فى وقت قصير فى كل أنحاء القارة
الأفريقية وتساعدها القوات الفرنسية الموجودة فى القواعد المتبقية فى
أفريقيا وربما أن هذه القوات الأخيرة أصبح دورها مساعدا فقط، فهى لم تعد فى
حاجة إلى وجود عسكرى وبشرى مكثف لذلك خفضت فرنسا من أعداد الجنود
والمستشارين العسكريين فى تلك القواعد التى بقيت على الأرض الأفريقية .
وتوزع الأدوار على القواعد العسكرية فى فرنسا وفى أفريقيا حسب خطورة الأزمة
الأفريقية فإذا كانت مجرد حركة تمرد محدودة بحيث لا تؤثر على الحياة
السياسية داخل هذه الدولة، تترك فرنسا مهمة حصارها للقوات الوطنية من الجيش
وجهاز الشرطة، فإذا فشلت هذه القوات فى مهمتها، تدخلت القوات الفرنسية
المقيمة فى أفريقيا، وغالبا ما ينتهى الأمر عند هذا الحد أما إذا استفحلت
الأزمة فتحولت إلى خطر دولى، تحركت القوات الفرنسية من قواعدها فى جنوب غرب
فرنسا، وتدخلت مباشرة للتأثير فى الأزمة، ويكون دور القوات الفرنسية
المقيمة مجرد دور مساعد للقوات الفرنسية الخارجية ولعلنا فى هذا المقام
نذكر الأمثلة التالية للتدخل الفرنسى فى القارة فى التسعينات، والتى
استخدمت فيها القوات الفرنسية الخارجية: فى سنة 1994 عملية تركواز فى
رواندا على أثر الإبادة العرقى للتوتسى، وكان التدخل الفرنسى لصالح الحكومة
الهوتو، وقد استخدم فى هذا التدخل الطيران القادم من إقليمى كلمار ورين فى
غرب فرنسا وفى سنة 1994 أيضا حركت فرنسا قوات محدودة مروحتين وعددا من
جنود المظلات إلى الكاميرون فى دوالا فى مهمة لدعم حكومة الكاميرون فى
نزاعها الحدودى مع نيجيريا وأخيرا فى سنة 1996، نقلت فرنسا إلى تشاد من
قاعدتها فى تولوز معدات حربية بقيت فى تشاد لمدة أربعة أشهر وكان الهدف
المعلن مناورات عسكرية دورية، بينما الحقيقة كانت على الأرجح مساندة رئيس
الجمهورية إدريس دبى ضد المظاهرات الشعبية التى اندلعت ضده السفارة
الفرنسية فى اندجامينا .
(2) اتفاقيات الدفاع العسكرى
: تناقص عدد اتفاقيات الدفاع التى كانت فرنسا قد عقدتها مع الدول الأفريقية
فى الستينات، حتى بلغ ثمانى اتفاقيات فقط مع الدول التالية: الكاميرون،
أفريقيا الوسطى، جزر القمر، كوت ديفوار، جيبوتى، الجابون، السنغال، وتوجو.
وجدير بالذكر أن الدول الأفريقية التى لم تعقد مع فرنسا مثل هذه
الاتفاقيات، يسمح لها أن تطلب المساعدة العسكرية وذلك فى الأزمات، ونذكر
على سبيل المثال طلب حكومتى تشاد وزائير مثل هذه المساعدات فى سنة 1996
(3) اتفاقيات التعاون العسكرى والمعونة العسكرية:
تشمل هذه الاتفاقيات عدة مجالات: المساعدات العسكرية والفنية، المساعدات
المباشرة للجيوش وأجهزة الشرطة الوطنية الأفريقية، المنح الدراسية العسكرية
وبرامج التدريب للضباط الأفارقة وقد تشمل أيضا هذه الاتفاقيات مجال الصحة
العامة وحفر الآبار وتنقيتها وإقامة البنية التحتية من طرق وكبارى إلى آخره
تختلف مدة سريان هذه الاتفاقيات من دولة إلى أخرى ويمكن تجديدها أو
إلغاؤها حسبما يتفق الطرفان الفرنسى والأفريقى، وتشمل هذه الاتفاقيات
اثنتين وعشرين دولة أفريقية هى: بنين، بوركينا فاسو، وبوروندى، الكاميرون،
أفريقيا الوسطى، جزر القمر الكونجو، كوت ديفوار، جيبوتى، الجابون، غينيا
الاستوائية، غينيا كوناكرى، مدغشقر، مالى، موريشيوس، موريتانيا، النيجر
رواندا، السنغال، سيشل، تشاد، وتوجو.
وجدير بالذكر أن فرنسا كانت قد عقدت مع زائير (حاليا الكونجو
الديموقراطية) اتفاقية للتعاون العسكرى سنة 1973، ولكنها سقطت مع سقوط نظام
موبوتو فى مايو سنة 1977، واخطر ما فى هذه الاتفاقيات هو ما ترتب عليه من
قانونية التدخل الفرنسى لحماية النظم الأفريقية القائمة، ويلاحظ كما تقدم
أن فرنسا لم تكتف بعقد هذه الاتفاقيات مع مستعمراتها السابقة، بل نفذت إلى
المستعمرات البلجيكية والبرتغالية والبريطانية ملاحظ ثانية، هى أن فرنسا
كانت تعتبر، حتى الثمانينات، ثانى دولة مصدرة للسلاح إلى أفريقيا جنوب
الصحراء، بعد الاتحاد السوفيتى فقد كانت تصدر سنة 1980 إلى المستعمرات
البلجيكية 68% من احتياجاتها للسلاح، وللمستعمرات الإنجليزية السابقة 32%
(الثانية بعد بريطانيا) أما مستعمراتها السابقة فكانت تستورد منها 50% فقط
من احتياجاتها
وربما كان السبب فى هذا الانخفاض النسبى أن الاتحاد السوفيتى قد نافسها فى
مستعمراتها فى مجال توريد السلاح، نتيجة لتحول بعض هذه الأنظمة إلى
الاشتراكية مثل مدغشقر وبنين وغينيا
(4) برنامج Recamp:
راجعت فرنسا سياستها العسكرية فى أفريقيا فى السنوات الأخيرة من التسعينات
وقد يكون ذلك راجعا إلى إخفاقاتها المتتالية فى رواندا والكونجو برازافيل
والكونجو الديموقراطية كما أن الظروف الدولية والأفريقية لم تعد مهيأة
للتدخل الأجنبى العسكرى المباشر من ثم وضعت فرنسا سنة 1997 برنامجا أسمته
Recamp والفكرة الرئيسية لهذا البرنامج هى أن تساعد فرنسا الدول الأفريقية،
ولكن من خلال دعم مؤسسات تلك الدول الإقليمية، هادفة بذلك إلى استقرار
الأمن فى القارة والسبب هو أن المؤسسات العسكرية الأفريقية التى تشكلت على
المستوى القارى أو الإقليمى مثل قوات حفظ السلام التابعة لمنظمة الوحدة
الأفريقية أو الإكموج التابعة لدول غرب أفريقيا، ما تزال محدودة القدرات
رغم بعض النجاحات التى حققتها المؤسسة الخيرة فى سيراليون وليبيريا وفى
إطار هذا البرنامج تقود فرنسا بتدريب الجنود الأفارقة على حفظ السلام وعلى
مواجهة الكوارث الناتجة عن الحروب، وذلك بمعاونة مؤسسات المجتمع المدنى وقد
رصدت فرنسا لهذا البرنامج 180 مليون فرنك فرنسى، تمثل 20% من مجمل ميزانية
التعاون العسكرى الفرنسى الأفريقى .
فى بداية طرح هذا البرنامج، تحفظت عليه بعض الدول الأفريقية كانت فى
مقدمتها دولة جنوب أفريقيا، وذلك خوفا من أن يكون هذا البرنامج شكلا جديدا
من أشكال السيطرة الفرنسية على القارة، ولكن يبدو أن هذا التخوف قد تلاشى
حيث قبلت مؤخرا جنوب أفريقيا الانضمام إلى البرنامج الجديد كما ستشارك فى
المناورات العسكرية التى سيجريها فى تنزانيا عام 2002 لدول الجنوب
الأفريقى، وكان برنامج Recamp قد نظم مناورات عسكرية فى جيديماكا بالسنغال
عام 1998 للدول الأعضاء فى الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، وفى
الجابون عم 2000 للدول الأعضاء فى الجماعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا
جدير بالذكر أن برنامج Recamp يتصدى للبرنامج الأمريكى Acri) ) ، وذلك فى
إطار المحاولات الفرنسية لمواجهة المنافسة الأمريكية فى القارة ويميز
البرنامج لمواجهة المنافسة الأمريكية بأن الأول متعدد الأطراف ومفتوح لكل
الدول الأفريقية، بينما الثانى انتقائى وثنائى أى أنه يركز على بعض الدول
الأفريقية المحورية فى القارة.
السياسية الاقتصادية:
تعتمد العلاقات الاقتصادية الفرنسية مع الدول الأفريقية على أسس أربعة رئيسية:
(1) التجارة البينية بين فرنسا وغالبية دول غرب ووسط القارة وتبذل فرنسا
محاولات دءوبة لاستمرار هذه العلاقات وضمان بقاء مركزها متميزا فيها
وبالفعل مازالت فرنسا، فى بعض الدول الفرنكوفونية، المستورد الأول لمواد
الخام والمصدر الأول للسلع المصنعة، ورغم ذلك فالإشارة واجبة إلى الانحصار
التدريجى لدور فرنسا الاقتصادى فى القارة بشكل عام على مدى السنوات الأخيرة
وسنرى ذلك تفصيلا فى مكانه من البحث
(2) الاستثمارات الفرنسية فى أفريقيا، فمازالت رؤوس الأموال الفرنسية من
أهم الاستثمارات الأجنبية فى كثير من الدول الفرنكوفونية، ونخص بالذكر كوت
ديفوار والجابون ونذكر أيضا اشتراك الخبرة والتكنولوجيا والأموال الفرنسية
فى إقامة مشروعين ذوى أهمية اقتصادية حيوية بالنسبة للسنغال وموريتانيا،
وهما: مشروع استصلاح أراضى نهر السنغال فى الجزء الأسفل منه والمشترك بين
السنغال وموريتانيا ومالى ومشروع استخراج الحديد فى موريتانيا
وكان هذا الإنجاز ثمرة سياسة التعاون الاقتصادى الثلاثى بين فرنسا والدول العربية والدول الأفريقية فى الثمانينات
وتعتمد فرنسا فى مجال تنمية هذه الاستثمارات على خبرتها القديمة بالسوق الأفريقية وباحتياجاتها وأذواقها
(3) منطقة الفرنك الفرنسى، ترتبط ستة عشر دولة من غرب ووسط أفريقيا بمنطقة
الفرنك الفرنسى مما يتيح لتسعين مليون مواطن أفريقى التعامل بالعملة
الفرنسية وتعتمد منطقة الفرنك الفرنسى فى أدائها على مبادئ أربعة
أ ـ ثبات سعر التحويل بين الفرنك الأفريقى والفرنك الفرنسى وجدير بالملاحظة
أن سعر التحويل استمر من 1948 حتى 1994 ثابتا ـ (الفرنك الفرنسى يساوى
خمسين فرنكا أفريقيا) ثم خفضت فرنسا فى 12 يناير 1994 سعر الفرنك الأفريقى
فأصبح الفرنك الفرنسى يساوى مائة فرنك أفريقى، وذلك لكى تتطابق قيمته
الاسمية مع قيمته الفعلية فى السوق
ب ـ تقسيم منطقة الفرنك إلى ثلاث مناطق فرعية، ولكل منطقة بنك مركزى لإصدار
العملة: البنك المركزى لدول غرب أفريقيا ـ BCEAO، والبنك المركزى لجزر
القمر والمايوت، وتشارك فرنسا فى اتخاذ القرارات المالية فى كل مؤسسة من
المؤسسات المالية المذكورة
ج ـ حرية كاملة من التحويل من الفرنك الأفريقى إلى الفرنك الفرنسى، ومن
خلاله إلى العملات العالمية الأخرى وهذه ميزة يتمتع بها الفرنك الأفريقى
بخلاف أية عملة أفريقية أخرى، بالإضافة إلى أن هذا النظام يسمح لدول منطقة
الفرنك الفرنسى بالتداول بالعملات الأجنبية الأخرى دون أن يكون لديهم
بالضرورة فائض منها مقابل هذه الميزة تلزم فرنسا البنوك المركزية الأفريقية
بإيداع 65% من أموالها فى الخارج فى البنك المركزى الفرنسى، وبذلك تضمن
فرنسا سيطرتها على ثلثى أموال منطقة الفرنك الأفريقى، مما يعنى سيطرتها على
القدر الأكبر من التجارة البينية بينها وبين الدول الأفريقية، كما تضمن
بذلك أن القدر من هذه الأموال الذى سيتسرب إلى التجارة من الدول الصناعية
الأخرى سيكون ضئيلا وغير ضار بالمصالح الاقتصادية الفرنسية فى القارة
الأفريقية
د ـ حرية انتقال رؤوس الأموال من الدول الأفريقية إلى فرنسا والعكس وتنسيق
خروج هذه الموال إلى خارج فرنسا والدول الأفريقية وتقنينه وتتكون الوحدة
النقدية لدول غرب أفريقيا (UMOA) من الدول التالية: مالى، بوركينا فاسو،
النيجر، السنغال، غينيا بيساو، كوت ديفوار، توجو، البنين، أما الوحدة
النقدية لدول وسط أفريقيا (UMAC) فتتكون من: تشاد، أفريقيا الوسطى
الكاميرون، غينيا الاستوائية، الجابون، الكونجو برازافيل، وتتكون المجموعة
الثالثة من: جزر القمر، والمايوت
(4) المنظمات الاقتصادية الإقليمية فى وسط وغرب أفريقيا، إذا كانت سياسة
التعاون الاقتصادى بين فرنسا والدول الأفريقية تخدم مصلحة فرنسا
الاقتصادية، فهى فى نفس الوقت تكلفها نفقات طائلة لذا رحبت فرنسا بالمنظمات
الإقليمية الاقتصادية التى تشكلت فى السبعينات والثمانينات وضمت دول غرب
ووسط أفريقيا ونضيف هنا إلى جانب الوحدات النقدية السابق ذكرها، الجماعة
الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (ECOWAS) والاتحاد الجمركى لدول أفريقيا
الوسطى (UDEAC) ، ويفيد إنشاء تلك المنظمات الوجود الفرنسى فى القارة فمن
ناحية، تشترك هذه المنظمات الإقليمية مع فرنسا فى تحمل المسئولية المالية،
وبالتالى تساعد فرنسا على تخفيف أعبائها المالية تجاه هذه الدول، ومن ناحية
أخرى، وبحكم عضوية هذه الدول فى منظمة الفرنك الفرنسى، تستمر فرنسا فى
التأثير المباشر على اقتصاد هذه الدول، وبذلك تكون فرنسا حققت هدفها فى
تقليل النفقات دون الانتقاص من مصالحها الاقتصادية فى القارة
من ناحية أخرى، عندما ساعدت فرنسا فى إنشاء تلك المنظمات الإقليمية، كان
مقدرا لها أن تستطيع حماية نفسها، وذلك بتوثيق الروابط الاقتصادية بين
الدول الأعضاء فيها، مما يحميها ويحمى المصالح الفرنسية معها من محاولات
التسلل الخارجية وهى تواجه الآن تحديا صعبا إزاء الهجمة الأمريكية
الاقتصادية فى كل القارة الأفريقية
(5) شبكة مواصلات كثيفة بين فرنسا وأفريقيا، أنشأت فرنسا، لتدعيم علاقاتها
الاقتصادية والتجارية والعسكرية مع أفريقيا شبكة مواصلات واسعة تربط بين
الجزاء المختلفة للقارة الأفريقية، وبين هذه الجزاء وفرنسا وتنقسم هذه
الشبكة إلى خطين رئيسيين: خط طيران يربط بين الشرق والجنوب، وخط طيران يربط
بين الشمال والغرب، ويتفرع هذان الخطان إلى خطوط فرعية عديدة تربط بين
الغالبية العظمى لدول القارة، وتعد هذه الشبكة بمثابة البنية الأساسية
للسياسة الفرنسية فى أفريقيا
السياسة الثقافية: تعتبر العلاقات الفرنسية الأفريقية، المجال الذى تفرد
فرنسا بالتميز فيه، وذلك بالقياس إلى باقى الدول الغربية، سواء كانت الدول
الاستعمارية القديمة أو القوى السياسية العظمى الحديثة، مثل الولايات
المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتى السابق فهى تغوص بعمق فى نسيج المجتمع
الذى تتصل به، سواء كان هذا الاتصال فى شكل استعمار تقليدى أو كان فى شكل
تعاون ثقافى فهى تتعامل فى هذا المجال بالدرجة الأولى مع الشعوب، ثم تأتى
المؤسسات الرسمية لتعطى، إذا لزم الأمر الصبغة القانونية لهذه العلاقات ومن
هنا قوة وخطورة العلاقات الثقافية الفرنسية مع الدول الأفريقية، غير أن
هذه الميزة أخذت تتراجع فى السنوات الأخيرة أمام المنافسة الأنجلوسكسونسية
كما سنرى تفصيلا تعتمد فرنسا فى علاقاتها الثقافية بالدول الأفريقية على
عدة عناصر أهمها فيما يلى:
(1) اللغة المشتركة: اللغة الفرنسية هى اللغة السائدة فى دول غرب ووسط
أفريقيا، بالإضافة إلى جيبوتى فى الشرق ومدغشقر وجزر القمر فى الجنوب
الشرقى
ويقدر عدد الذين يتحدثون الفرنسية فى أفريقيا 11% من سكان القارة أما على
مستوى مؤسسات تلك الدول العلمية والإعلامية، فقد تشترك العربية وبعض اللغات
المحلية المكتوبة مع الفرنسية فى التداول كالوولف والهوسا والفولا، ولكن
الفرنسية تظل الأقوى والأكثر استعمالا، غير أنه لوحظ فى السنوات الأخيرة أن
الأفارقة الفرنكوفونيين، أو كثيرا منهم على الأقل يتجهون إلى التعلم
باللغة الإنجليزية، مما يؤدى إلى انكماش انتشار الفرنسية فى القارة
(2) المؤسسات التعليمية: المدارس الابتدائية والثانوية الفرنسية فى الدول
الأفريقية، ومنها ما هو تابع للإرساليات الدينية ومنها ما هو مدنى وفى
الجامعات الأفريقية مازالت العلوم تدرس بالفرنسية ويشرف عليها متخصصون
فرنسيون وتحاول الثقافة العربية أن تجد لها مكان رغم هذه الهيمنة الفرنسية
شبه الكاملة، وهى تنفذ إلى مناطق التأثير الفرنسى من خلال الدول العربية
السابق ذكرها، والدول الإسلامية مثل تشاد والسنغال، عن طريق المدارس
والكتاتيب الإسلامية الناطقة بالعربية من ناحية أخرى تحرص فرنسا على توثيق
الروابط مع النابهين من الطلاب الأفارقة وذلك بتقديم المنح الدراسية إليهم
(تدريب دبلوم، دكتوراه الخ) وإرسالهم فى المدن الفرنسية الكبرى وبخاصة
باريس كما تحرص أيضا على إنشاء المؤسسات العلمية المشتركة مثل اتحاد
الجامعات الناطقة بالفرنسية والأجهزة المتخصصة كجهاز التعاون الثقافى
والتكنولوجى بل أنها قد اتجهت مؤخرا إلى بناء الجامعات الفرنسية فى الخارج
ومنها واحدة مازالت فى طور التشييد فى مصر هنا أيضا يلاحظ تراجع فى السنوات
الأخيرة فى تأثير المؤسسات التعليمية الفرنسية فى الدول الأفريقية ففى
إطار العولمة تتنافس المدارس والجامعات الغربية لاستقطاب الطلبة والباحثين
فى العالم وأهم هذه الدول الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا
وأستراليا وكندا وفرنسا والملاحظ أن فرنسا تراجعت فى هذا المجال، ففى سنة
1984 كان عدد الطلبة الجانب الذين يطلبون العلم فى فرنسا 14% من عدد الطلبة
فى فرنسا، وقد انخفضت هذه النسبة حتى وصلت فى سنة 1992 إلى 9% ويبدو أن
هذا التراجع كان أحد أسباب مراجعة فرنسا لنظام دكتوراه الدولة الذى يستغرق
وقتا طويلا ويشترط مستوى عاليا من المعرفة، إلى النظام المعمول به حاليا
للماجستير والدكتوراه والذى يقترب من النظم التعليمية الأنجلوسكسونية ورغم
هذا التراجع العام فى التعليم الفرنسى فى العالم استطاعت فرنسا أن تحتفظ
بنسبة من الطلبة الأفارقة تقدر بضعف نسبتهم فى الولايات المتحدة
(3) المراكز الثقافية الفرنسية المنتشرة فى أفريقيا: كان عدد هذه المراكز
فى الثمانينات اثنين وخمسين مركزا قافيا منتشرا فى الأنحاء المختلفة للقارة
وتلعب هذه المراكز دورا رئيسيا فى توثيق الروابط الثقافية والحضارية بين
فرنسا والشعوب الأفريقية ولا تعتمد هذه المراكز على عرض الثقافة الفرنسية
فقط، بل تحرص أيضا على رصد الثقافات المحلية وإبرازها فى شكل مطبوعات أو
أفلام تسجيلية أو معارض فنية أو أثرية كما تقوم بترجمة بعض الأعمال الدبية
المختارة من اللغات المحلية إلى اللغة الفرنسية، فتنقلها بذلك من المحلية
إلى العالمية وقد تنسق هذه المراكز الثقافة مع المؤسسات التعليمية لكتابة
بعض اللغات المحلية واسعة الانتشار تعمق هذه الأساليب الارتباط بين الشعوب
الأفريقية والثقافة الفرنسية، كما تساعد على تراجع ذكى التفرقة العنصرية
والرق من أذهان الأفارقة، لاسيما وأن أسلوب الانتشار الثقافى لفرنسا يقوم
على الاعتراف بالتعدد الثقافى مهما كانت مصداقية هذه السياسة من حيث درجة
قناعتها بالندية فى التعامل بين الثقافة الفرنسية والثقافات الأفريقية، فهى
على كل حال قد أصابت أهدافها الأصلية وهذه الأهداف ليست اجتماعية فقط، بل
أيضا وبالأساس ذات طابع سياسى
(4) القمم الفرنكو أفريقية: بدأ هذا التقليد سنة 1973 بافتتاح جورج يومييدو
لأول مرة قمة فرنكو أفريقية فى شهر نوفمبر فى باريس وتنعقد هذه القمم كل
سنتين فى باريس أو فى إحدى العواصم الأفريقية، ويحضرها رئيس الجمهورية
الفرنسى والرؤساء الأفارقة وتبحث هذه القمم فى الشئون الفرنسية الأفريقية
المشتركة فى المجالات الاقتصادية والسياسات الدبلوماسية وقد استطاعت فرنسا
أن تجذب إلى هذا التنظيم دولا غير فرنكوفونية مثل أنجولا وموزمبيق
ونيجيريا، وكانت قد استطاعت أن تعقد معها اتفاقيات اقتصادية وتجارية وقد
انعقدت حتى الآن تسع عشرة قمة فرنسية أفريقية
(5) الفرنكوفونية: أنشأها ميتران سنة 1986 وهى تضم كل الدول الناطقة
بالفرنسية فى العالم، ومنها الدول الأفريقية، ويلاحظ أنها ضمت إليها مصر
وهى ليس فرنكوفونية، وكانت الحجة المقدمة أن اللقاء الحضارى بين مصر وفرنسا
ـ رغم اختلاف اللغة ـ موصولا منذ القدم ولا يغيب عنا أن لفرنسا مصلحة
أكيدة فى توثيق علاقاتها بدولة مثل مصر، تتمتع بثقل سياسى وثقافى إقليمى
كانت الفرنكوفونية تعنى بالأساس، بتوثيق الروابط الثقافية بين أعضائها
والتأكيد على أن اللغة الفرنسية تمثل كتلة عالمية كبيرة تستطيع أن تواجه
المد الأنجلوفونى فى العالم، غير أن تغير الظروف وبزوغ الولايات المتحدة
كقوة عظمى وحيدة، جعل فرنسا تضيف إلى البعد الثقافى للفركوفونية، أبعادا
سياسية ودبلوماسية، كما سنرى تفصيلا فى مكانه من البحث من ناحية أخرى تتعرض
الفرنكوفونية إلى منافسة قوية على المستوى الثقافى من الكومنولث البريطانى
الذى يعد المقابل الأنجلوفونى لها، فيضم الأخير مليار فرد يتحدثون
الإنجليزية بنسبة 30% من سكان العالم، بينما لا تضم الفرنكوفونية سوى (500)
مليون فرد تتعرض أيضا الفركوفونية فى شقها السياسى إلى منافسة من
الكومنولث قد تكون أخطر، بسبب تأثيرها على الشعوب الأفريقية، من المنافسة
الثقافية بخاصة فى هذه المرحلة الزمنية التى يمر بها العالم، وذلك لأنها
تنصب على الممارسة الديموقراطية فى الدول المعنية ومدى مصداقية مساندة كل
من الفرنكوفونية والكومنولث لهذه الممارسة فبالنسبة للكومنولث وقع الأعضاء
فى القمة التى عقدت فى هرارى سنة 1991 على ميثاق موحد عن الديموقراطية
وسيادة القانون وتقررت عقوبات صارمة، تصل إلى حد تجميد العضوية فى
الكومنولث، على الدول الأعضاء إذا لم تلتزم بهذا الميثاق وقد أختبر تنفيذ
هذا الميثاق فى نيجيريا حيث طبقت تلك العقوبات أثناء الحكم الديكتاتورى
لسانى أباتشا فى المقابل لم تبدأ الفرنكوفونية أية مصداقية لما ترفعه من
شعارات الديموقراطية، حيث ما تزال فرنسا تتعامل وتساند النظم الأفريقية
الشمولية الأعضاء فى المنظمة
الجهاز الفرنسى للتخابر الخارجى: يقوم جهاز المخبرات بواجباته المنوط بها
فى خارج فرنسا ـ كأى جهاز مخابرات فى العالم ـ تحت ستار العمل الدبلوماسى
وتتركز أهداف هذا الجهاز فى الحفاظ على المصالح الفرنسية الاقتصادية
والسياسية والاستراتيجية فى العالم وقد تتغير الأهداف بتغير الظروف الدولية
والإقليمية، ولكن تظل وسيلة تحقيقها واحدة ألا وهى حماية الأنظمة
الأفريقية الصديقة ولعنا فى هذا المقام نذكر مثالا لعمل المخابرات الفرنسية
فى أفريقيا وهو التدخل لصالح الرئيس إدريس دبى فى الانتخابات الرئاسية
لعام 1995 فى تشاد ولعل أهم ما فى هذا التقرير هو دقة حسابات المصلحة التى
قد تجعل فرنسا تغير من خطها التقليدى وتختار تكتيكا يبدو جديدا وإن كان
يدخل فى إطار نفس الاستراتيجية الثابتة، ألا وهى الحفاظ على المصالح
الفرنسية العليا درست المخابرات الفرنسية الظروف المحلية لتشاد على المستوى
الاجتماعى والاقتصادى والسياسى، ثم الظروف الإقليمية المحيطة به، وأخيرا
التوازنات الدولية السائدة فى المنطقة، وقد توصلت هذه الدراسة لرصد الحقائق
التالية: تفضل فرنسا بشكل عام مساندة سكان الجنوب التشادى، فهم زنوج
مسيحيون بنسبة 34% إلى 40% ومنتمون إلى ديانات محلية بنسبة 15% غير أن
الظروف المحيطة دفعت بها فى اتجاه آخر، ألا وهو مساندة إدريس دبى رجل
الشمال ذى الثقافة العربية الإسلامية، وذلك لأنه المرشح الوحيد لرئاسة
الجمهورية القادر على حفظ التوازن بين القوى السياسية المحلية فى الداخل،
بالإضافة إلى أنه يستطيع درء القوى السياسية المحلية فى الداخل، بالإضافة
إلى أنه يستطيع درء خطر ليبيا والسودان على الحدود الشمالية والشرقية
للبلاد، فقد استطاع حتى الآن أن يحيدهما ويقيم علاقات طيبة معهما أما
الجنوبيون، فليس أمامهم أية فرصة لكسب المعركة الانتخابية، وحتى إذا
افترضنا أن فوزهم جائز، فلن يستطيعوا الاستمرار طويلا فى السلطة وذلك
للأسباب التالية:
ـ 1 ـ جل الثروة الاقتصادية فى أيدى الشماليين
ـ 2 ـ لا يتمتع الجنوبيون بالروح القتالية التى تتميز بها القبائل
الشمالية، ومن ثم لن يكون الجنوبيون هم الطرف الرابح فى أى نزاع على السلطة
بين الفريقين
ـ 3 ـ غياب الشخصية الجنوبية الكاريزمية التى تستطيع أن تكتل قاعدة شعبية واسعة
ـ 4 ـ لن تقبل ليبيا والسودان والسعودية أن يحكم تشاد ـ الدولة التى تصل
نسبة المسلمين فيها حوالى 58% ـ رئيس جنوبى غير مسلم وبناء على هذا التحليل
للظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لتشاد، قدم جهاز المخابرات
للمسئولين الفرنسيين تقريرا يوصى فيه بالآتى: تقديم كل المساعدات الممكنة
لإدريس دبى لكى يفوز فى المعركة الانتخابية بعد فوزه، تمارس عليه بعض
الضغوط حتى يعطى جرعة مناسبة من الديموقراطية للشعب لكى تستقر الأمور
مساندة إدريس دبى فى حل المشكلات التى تثيرها فصائل المعارضة المسلحة فى
الجنوب والشمال، وذلك عسكريا أو عن طريق المفاوضات ـ ـ العمل على سرعة
استخراج البترول حتى يؤدى ذلك إلى زيادة الناتج القومى، مما يساعد على
الاستقرار السياسى والاجتماعى ترصد المخابرات الفرنسية المحاولات الأمريكية
لمساعدة الجنوبيين على التمرد ضد الحكومة التشادية، وترى أن هذه المحاولات
غير فعالة وساذجة لأن الساسة الأمريكيين لا يفهمون بعمق التركيب الاجتماعى
فى تشاد، وقدرة كل فريق من اللاعبين على الساحة السياسية التشادية، كما
تدرك فرنسا تماما أن هذه المحاولات الأمريكية فى جنوب تشاد تهدف فى حقيقة
الأمر إلى ضرب النفوذ الفرنسى فى المنطقة وإلى هنا ينتهى ملخص التقرير،
ونورد عليه الملاحظات التالية: أولا: لم تعطى فرنسا اهتماما يذكر لمسألة
الديموقراطية، وهى تقرير اختيار إدريس دبى لرئاسة الجمهورية، فهو رجل عسكرى
يحكم البلاد بقدر كبير من التسلط، وتكاد حرية الصحافة أن تكون الشكل
الوحيد للديموقراطية فى البلاد، هذا علاوة على أن سمعته هو ومساعديه فى
المسائل المالية ليست فوق مستوى الشبهات ثانيا: تبدو واضحة فى هذا النموذج
الوسيلة التقليدية الفرنسية فى حماية مصالحها بالمنطقة وهى مساندة النظم
الصديقة التقليدية، أما القيادات الشابة فتعتبر بالنسبة لفرنسا مغامرة غير
محسوبة، وربما كان هذا الموقف الفرنسى سببا من الأسباب التى أدت إلى ابتعاد
القيادات الشابة عن فرنسا واقترابها من الولايات المتحدة ثالثا: استطاعت
فرنسا أن توفق بدقة وبحس سياسى عالى المستوى بين مساندتها للحكومة
الإسلامية فى السودان على المستوى الدولى، ليصبح السودان نقطة ارتكاز جديدة
لها فى المنطقة تواجه بها التأثير الأمريكى المتصاعد فى أفريقيا، وبين
نجاحها حتى الآن فى تحجيم الخطر الإسلامى ومنعه من التسلل عبر الحدود
الغربية للسودان التى دعت فرنسا إلى مساندة إدريس دبى، لأنه تمكن من تحجيم
التيار الإسلامى المتطرف داخل تشاد، مستعينا فى ذلك بقدرته وخبرته العسكرية
وحنكته السياسية التى يسرت له إقامة توازنات بين القبائل ذات الميول
الإسلامية المتطرفة مثل قبائل الوادى (عويضى) فى الشمال والقبائل المسلحة
المعتدلة مثل الزغاوى رابعا: نجح جهاز المخابرات الفرنسى فى تحقيق هدفين:
الأول: هو دفع نظام صديق إلى رئاسة الجمهورية ليستمر فى لعب دوره فى الحفاظ
على التوازنات الداخلية والخارجية وتحقيق الاستقرار والثانى: هو التصدى
للمحاولات الأمريكية لكسر النفوذ الفرنسى فى المنطقة وتبقى معلومة لها
دلالة هامة: فقد تسرب هذا التقرير السرى إلى التشاديين الجنوبيين مما أثار
غضبهم ودفع الشباب إلى مظاهرات عارمة ضد رئيس الجمهورية والسفارة الفرنسية
معا وقد اضطرت فرنسا لإرسال قوة عسكرية محدودة ومؤقتة إلى تشاد للسيطرة على
الموقف، ويبدو أن الولايات المتحدة كان لها يد فى هذه الأحداث الظروف
الدولية النظام العالمى الجديد: تسعى الولايات المتحدة إلى تدعيم وجودها فى
مناطق نفوذها، والسعى إلى الانتشار والتأثير فى المناطق التى كانت تاريخيا
خارج نفوذها، والتى يمكن أن تحقق لها مكاسب استراتيجية واقتصادية هامة فى
هذا الإطار تصطدم المصالح الأمريكية بالمصالح الفرنسية فى القارة الأفريقية
ويتضح هذا الصدام فى المجالات الآتية: المجال الاقتصادى: صدر من مجلس
الأمن القومى الأمريكى تقرير فى مايو سنة 1997 يقول أن "الستمائة مليون
أفريقى الذين يعيشون فى جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى، يمثلون أحد أكبر
السواق البكر فى العالم فقد أصبحت الولايات المتحدة تصدر إلى أفريقيا
السوداء أكثر مما تصدره لمجموع دول الاتحاد السوفيتى السابق، وزيادة حجم
هذه التجارة يشكل فائدة كبرى للعمالة الأمريكية"
استجابة لهذا التقرير طرحت الحكومة الأمريكية مشروع القانون الخاص بتشجيع
التجارة مع أفريقيا على الكونجرس الذى وافق عليه وحسب تقديرات مساعدة وزيرة
الخارجية الأمريكية للشئون الأفريقية سوزان رايس، أن مائة ألف وظيفة
للشباب الأمريكى تتوقف على التصدير إلى أفريقيا، ومن المنتظر أن يزيد هذا
العدد بعد تطبيق القانون المذكور تقابل هذه النوايا الأمريكية تجاه
أفريقيا، نوايا مماثلة للدول الأفريقية نحو الولايات المتحدة، بل أن
النوايا تحولت إلى سياسات تطبق بالفعل على مستوى الحكومات والأفراد متحدية
بذلك النفوذ الفرنسى فيها فيلاحظ مثلا أن دولة كالسنغال ـ وهى من أهم الدول
الفرنكوفونية لفرنسا تتعامل تجاريا بشكل متزايد مع الولايات المتحدة ففى
أول أبريل سنة 1998 وقع وزير النقل الأمريكى فى داكار مع نظيره السنغالى،
اتفاقا للتعاون الفنى لتحسين مستوى أداء الطيران فى السنغال ويعتبر الجانب
الأمريكى هذه الاتفاقية فاتحة لدخولهم هذا المجال فى القارة الأفريقية
وقد تكون لهذا العقد دلالة أخرى هى ازدياد عدد رحلات الطيران من السنغال
وغرب أفريقيا بعامة إلى الولايات المتحدة فقد أصدرت السفارة الأمريكية فى
داكار ثلاثين ألف تأشيرة دخول للولايات المتحدة خلال عام 1997 أما بالنسبة
للأفراد فيزداد تدريجيا عدد المشروعات التجارية للسنغاليين فى نيويورك، وإن
كانت مازالت محدودة الحجم
من ناحية أخرى يشكل البترول مصدرا آخر للاهتمام الأمريكى بالقارة، فهى
تنتج اليوم سبعة ملايين برميل فى اليوم، أى ما يعادل حوالى 10% من الناتج
العالمى
هذا بخلاف ما يوجد منه فى باطن الأرض، ولم يستغل بعد بشكل واسع فى بعض
الدول مثل تشاد والسودان والصومال، فإذا أضفنا أن أفريقيا تواجه الولايات
المتحدة عبر المحيط الأطلسى، دون أى عوائق من ممرات أو قنوات مائية تحت
سيطرة دول أخرى قد تكون غير صديقة، لأدركنا قيمة أفريقيا استراتيجيا
للولايات المتحدة، وقد بدأت شركات البترول الأمريكية بالفعل تدخل مجال
البترول فى القارة الأفريقية حتى فى الدول الفرنكوفونية، فقد وقعت شركة
أوكس الأمريكية التى تعمل فى مجال التنقيب عن البترول عقدا فى عام 1993 مع
حكومة برازافيل قيمته 150 مليون دولار، وذلك رغم وجود شركات فرنسية منافسة
فى الكونجو
(34) ، كما أعطت جيبوتى حقوق التنقيب عن البترول والذهب لشركة أمريكية، مما
دعا مسئول فرنسيا كبيرا لزيارة جيبوتى والتفاوض مع الرئيس السابق حسن
جوليد على تنشيط التعاون من قضية العفر والذى فسرته الحكومة الجيبوتية على
أنه مضاد لها
مثال ثالث لمزاحمة الولايات المتحدة للمصالح البترولية الفرنسية فى مناطق
نفوذها، هى الاتفاقيات الأمريكية الأفريقية للتنقيب عن البترول فى خليج
غينيا الواعد فى غرب أفريقيا هكذا نرى أن الولايات المتحدة، إذا كانت قد
عجزت عن إفشال شركة توتال الفرنسية مع إيران ـ وهى الجارة الإقليمية الكبرى
لأفريقيا وللخليج العربى ـ فقد عوضت ذلك بصفقاتها المتعددة فى أنحاء كثيرة
من القارة الأفريقية مثال آخر لتتكالب الأمريكى على البترول الأفريقى،
فاكتشاف البترول فى جنوب السودان عن طريق الشركات الكندية والصينية
والماليزية قد أبعد الولايات المتحدة عن هذا الحقل، وغالبا ما يكون
الاهتمام الأمريكى الحديث والمكثف بالسودان سببه تدفق البترول السودانى
بعيدا عن السيطرة الأمريكية، وفى رأيى أن الضغط الأمريكى المكثف على
الحكومة السودانية فى الآونة الأخيرة عبر الحركة الشعبية لتحرير السودان لا
يخرج عن هذا الإطار، والأحداث الأخيرة تشير إلى ذلك فقد استطاع جيش الحركة
الشعبية أن يحتل مدينة راجا فى الجنوب قرب منابع البترول فى بحر الغزال،
وذلك خلال أيام فقط تلت مطالبة كولن باول وزير الخارجية الأمريكى بوقف
القتال واستجابت الحكومة السودانية لهذا النداء كبادرة لحسن النوايا، هذه
الأيام التى أوقفت الحكومة فيها القتال استطاعت الحركة الشعبية أن تنقل
جنودا ومعدات عبر جسر جوى إلى بحر الغزال وأن تحتل المواقع التى سقطت فى
قبضتها وجدير بالذكر أن الإدارة الأمريكية كانت قد قدمت ثلاث ملايين دولار
معونة للتجمع الوطنى الديموقراطى الذى تعد الحركة الشعبية هى القوة
العسكرية الوحيدة فيه، بعد أن أوقفت المعارضة الشمالية حربها ضد الحكومة فى
شرق السودان من ناحية أخرى تساعد العولمة الولايات المتحدة فى نشر
استثماراتها وتجارتها عبر القارة الأفريقية، متحدية بذلك مراكز النفوذ
الفرنسى، فاتفاقية الجات التى صاغتها الدول الصناعية الكبرى ومنها فرنسا،
وفرضت على دول العالم الثالث، تنص على فتح الحدود للتجارة والاستثمارات
العالمية ويفوز فى هذه المباراة الدولية الأقوى والدول القدر على غمر
الأسواق بصادراتها على المستوى الجماهيرى، استثمرت الولايات المتحدة وجود
المواطنين الأمريكيين ذوى الأصول الأفريقية، وذلك على مستوى العمال
والمسئولين السياسيين والجمعيات الأهلية، ومن ثم أخذت بعض المؤسسات
الأمريكية السوداء تأخذ مزيدا من الأهمية على الصعيد الداخلى، ونذكر على
سبيل المثال، مؤسسة التنمية الأفريقية، الجمعية المتحدة، التحالف العالمى
من أجل أفريقيا
وتحاول الإدارة الأمريكية بذلك أن تلفت نظر الرأى العام الأمريكى إلى
أهمية القارة الأفريقية بالنسبة للمصلحة القومية الأمريكية كيف تواجه فرنسا
هذه الهجمة الشرسة على مصالحها الاقتصادية الحيوية فى أفريقيا؟، تعقد
فرنسا مزيدا من اتفاقيات التعاون الاقتصادى والمالى مع دول أفريقية خارج
نطاق تأثيرها التقليدى، مثل نيجيريا وأنجولا وموزمبيق وموريشيس وسيشل وقد
ضمن أخيرا إلى منطقة الفرنك الفرنسى غينيا بيساو فى 2 مايو 1997 ويحاول
المسئولون الفرنسيون إبراز ميزة الانتماء إلى منطقة الفرنك الفرنسى فى ظل
توحيد العملة الأوروبية، فارتباط الفرنك الأفريقى باليورو سيزيد من صلابته
فى السوق العالمية، لأنه سيعتبر العملة الأفريقية الوحيدة التى تتمتع بميزة
التحويل المباشر إلى العملات الأوروبية القوية من ناحية أخرى تحاول
الحكومة الفرنسية أن تطرح أفكارا جديدة لمقاومة التراجع الحالى لنفوذها
الاقتصادى فى القارة، فقد اقترح جاك شيراك سنة 1996، أثناء زيارته للسنغال،
أن تبادل الدول الأفريقية ديونها لفرنسا باستثمارات فرنسية فى هذه الدول
ديونها المدينة، بمعنى أن تشترى الشركات الفرنسية حصصا لها فى المؤسسات
الاقتصادية الأفريقية بما يعادل مالها من ديون لدى الدول الأفريقية، وبخاصة
المؤسسات المعروضة للخصخصة
ويتصور شيراك أنه بهذه الخطة يدعم المصالح الاقتصادية الفرنسية فى القارة،
وفن نفس الوقت يساعد الدول الأفريقية على التخفف من ديونها، مما يؤدى إلى
استعادة الأفارقة الثقة فى السياسة الفرنسية من ناحية أخرى التقطت فرنسا
التحفظ الأفريقى على الرؤية الأمريكية لطبيعة التوجه الاقتصادى نحو القارة
الأفريقية، والذى يعتمد على التجارة والاستثمارات ويلغى المعونات والقروض،
لتنفذ من هذه الثغرة وتقدم مزيدا من المعونات والقروض فالرؤية الفرنسية
لمساعدة الدول الأفريقية على النهوض تختلف عن الرؤية الأنجلوسكسونية فى
أنها تركز على مشكلات محددة فى صورة برامج مؤقتة تأتى بفائدة أكيدة وسريعة
وتعتمد هذه الرؤية أساسا على القروض المحدودة والمعونات المجال العسكرى:
تهدف الولايات المتحدة إلى توسيع نشاطها العسكرى فى القارة الأفريقية فى
مواجهة النفوذ العسكرى الفرنسى فيها، لذلك طرح وزير الخارجية الأمريكية
وارين كريستوفر سنة 1996، أثناء جولة أفريقية له، فكرة إنشاء قوة أفريقية
لحفظ السلام، قوامها عشرة آلاف رجل وتشارك فيها بعض الدول الأفريقية الهامة
غير أن الفكرة قوبلت بالرفض من الاتحاد الأوروبى وعلى رأسه فرنسا، ومن
منظمة الوحدة الأفريقية ومن بعض الدول الأفريقية وكانت أهم الحجج التى قدمت
من الجانب الرافض هى:
ـ 1 ـ أن هذه المبادرة لم تصدر عن منظم