اللامركزيـــة : مفهومها، مزاياها وعيوبها، والعوامل المؤثرة في تطبيقها
كاتب الموضوع
رسالة
Admin المدير
عدد المساهمات : 1955 تاريخ التسجيل : 09/11/2012 العمر : 33 الموقع : https://khenchelauniv.roo7.biz/
موضوع: اللامركزيـــة : مفهومها، مزاياها وعيوبها، والعوامل المؤثرة في تطبيقها السبت مارس 30, 2013 9:40 pm
المقدمــةIntroduction يجري الحديث هذه الأيام بين أوساط المثقفين وغير المثقفين، المتخصصين وغير المتخصصين _ عن إستخدام اللامركزية كبديل عن المركزية التي كانت سائدة أيام النظام البائد أو كبديل عن الفدرالية التي تم تضمينها في مسودة الدستور العراقي الجديد (المادة 1 ،12) ونظراً لأهمية الموضوع في العملية السياسية الجارية في العراق، سيتم تسليط الضوء على مفهوم اللامركزية باعتبارها نظاماً ادارياً مناسباً واستجلاء آراء بعض الكتاب والباحثين في مجال الأدب الإداري عن أنواعها، مزايا وعيوب استخدامها، العوامل المؤثرة في تطبيقها، وماهي أوجه التقائها مع مفاهيم المركزية والفدرالية .
أولاً: مفهوم اللامركزية Decentral – Zation concept
تعريف اللامركزية((Decentral- Zation concept بأنها (درجة عدم تركيز السلطة، أي تشتت السلطة وتوزيعها بين الأشخاص والمستويات الإدارية المختلفة في المنظمة أو على مستوى الدولة)(1) . ويصف هوايت (White) اللامركزية كمفهوم شامل بأنها (نقل السلطة، تشريعية كانت أو اقتصادية أو تنفيذية من المستويات الحكومية العامة الى المستويات الدنيا)(2) . ويرى هنري ماديك(Henry Maddik) إن اللامركزية تتكون من مصطلحين: الأول اللامركزية(Deconstration) ويقصد بها (تفويض الإدارة المركزية السلطات المناسبة الى الادارات البعيدة عنها جغرافياً للقيام بمهام معينة عهدت بها إليهم)(3)، والثاني التفويض(Devolution) ويقصد به (تحويل السلطات الدستورية المحلية الصلاحيات اللازمة للقيام بوظائف أو مهام معينة أوكلت إليهم). يتضح مما تقدم ان مصطلح اللامركزية يرتبط ارتباطاً مباشراً بالمركزية، وان كلا المفهومين يوضح درجة التفويض، ويمكن تصور هذين المصطلحين على انهما نهايتين متعاكستين لمحور التفويض (انظر الشكل1) حيث يشير الى ان اللامركزية تدل على أقصى تفويض للأنشطة الوظيفية ومن صلاحية اتخاذ القرار للمرؤسين، في حين تدل المركزية على عدم وجود التفويض(4) .
إن أهمية توزيع السلطات في نمط اللامركزية لاتتعلق بنوع السلطة المفوضة(Kind of Authority) وانما تتعلق بكمية السلطة (Quantity ofAuthority) التي يتم تفويضها، فعلى مقدار السلطة تتحدد اللامركزية(6): 1- عدد القرارات التي يتخذها المسؤولون في المستويات الدنيا ومدى تكرارها، اذ كلما زاد عدد هذه القرارات ازدادت درجة اللامركزية . 2- أهمية القرارات، إذ كلما كانت القرارات التي تتخذ في المستويات الدنيا على جانب كبير من الأهمية، أمكن القول ان النظام يتجه نحو اللامركزية . 3- تعدد المهام، إذ كلما تعددت المهام أو العمليات التي تتأثر بالقرارات التي يتخذها المسؤولون في المستويات الادارية الدنيا، كان النظام أقرب الى اللامركزية . 4- مدى الرقابة التي تفرضها المستويات العليا على القرارات التي تتخذها المستويات الأدنى، فكلما قلت هذه الرقابة، كان النظام أقرب الى اللامركزية .
وأعتبر هنري فايول (1841 ، 1920) ان كل مايزيد من أهمية المرؤوسين في التنظيم يعد شكلاً من أشكال اللامركزية، وبالعكس فان كل ما يقلل من أهميتهم يعتبر ميلاً نحو المركزية(7) . ينبغي ان يفهم مما تقدم بان الاتجاه اللامركزي يمثل صفة ايجابية بالضرورة بحكم طبيعته، وان الاتجاه المركزي يمثل صفة سلبية لنفس الاعتبار فالواقع العملي قد يعكس توجهاً ايجابياً في الميل المركزي بالنسبة لبعض القرارات في جهاز الدولة الاداري وفي ظل تأثيرات بيئية معينة، كما قد يعكس الميل اللامركزي توجهاً سلبياً بالنسبة لقدرات معينة في نفس الجهاز الاداري . ورغم ماتقدم وبناء على عموم التوجه المركزي ذا الطابع والمردود السلبي في كافة الدول النامية أقترن التأكيد على الميل اللامركزي بالتوجيه الايجابي في الأجهزة الادارية .. ولكن السير في هذا الاتجاه دون تحفظات قد يؤدي إلى نتائج غير مقصودة بالنسبة للمخطط الإداري، وخلاصة الرأي ان اللامركزية تمنح مرونة أكثر في صنع القرارات ومواجهة المواقف المتغيرة وبذلك نحصل على الكفاءة التنظيمية في أجهزة الدولة الادارية( . وعموماً يمكن القول، بأنه لاتوجد هناك مركزية مطلقة أو لامركزية مطلقة، بل ان الواقع هو مزيج بينهما بنسب متفاوتة والسبب هو لارتباطهما بتخويل الصلاحيات وان تخويل الصلاحيات هذا يعتبر أمراً نسبياً يعبر عن مدى أو درجة التخويل كما مر معنا سابقاً، أي ان الادارة العليا أو السلطة المركزية لا تستطيع تخويل جميع صلاحياتها (لامركزية مطلقة) وإلا كانت النتيجة توقفها عن ممارسة أعمالها، كذلك فان عدم تخويل الصلاحيات وتركيزها في الادارة العليا (مركزية مطلقة) لا يؤدي فقط إلى الغاء دور الادارة الدنيا أو الادارة المحلية بل إلى إلغاء الهيكل التنظيمي للمنظمة أو الدولة بالكامل(9) .
ثانياً: أنواع اللامركزية ecentralization Kinds
يميز أغلب الكتاب والباحثين في معرض حديثهم عن اللامركزية بين الأنواع الآتية(10) :
1- اللامركزية الجغرافية: وتتمثل في عملية توزيع السلطة بين أقاليم ومحافظات ومناطق القطر الواحد التي تتمتع بشخصية معنوية تناط بمجلس محلي ينتخب جميع أو بعض أعضاءه من قبل مواطني الإقليم ويكون له صلاحية وضع ميزانية مستقلة واتخاذ القرارات الإدارية المتعلقة بإدارة المشروعات والمرافق العامة في حدود ذلك الإقليم أو المحافظة، ويطلق البعض على هذا النوع من اللامركزية الإدارية بالإدارة المحلية أو إدارة الأقاليم والمحافظات .
ان واقع الإدارات المحلية في العالم يعكس تفاوتاً كبيراً في هياكل واختصاصات هذه الإدارات تتميز فيه المعالم الآتية(11) :
ö إن الإدارات المحلية في الدول النامية تميل إلى كونها أدوات بيد الإدارات المركزية، فهي بهذا أجهزة تنفيذية للقرارات، كذلك تتميز هذه الإدارات المحلية بأنها تتمتع بقسط محدود جداً من الاهتمام والدعم من قبل السلطات المركزية رغم كونها مكرسة من حيث المبدأ لإشباع الطلبات للأكثرية العظمى من أبناء الشعب، كما تتميز هذه الأجهزة الإدارية في الدول النامية بمحدودية إمكاناتها المادية والفنية بصورة عامة مقارنة بالأجهزة الإدارية المركزية كذلك الشعور بالتبعية والميل نحو عدم اتخاذ المبادرة في ممارسة الصلاحيات المتاحة، ومن طريف القول هنا إن مسألة نقل العاملين من الأجهزة المركزية إلى الأجهزة الإدارية المحلية كثيراً ما يأخذ طابع العقود الإدارية بالنسبة لهؤلاء العاملين . لابد من الإشارة هنا إلى إن محافظات العراق (عدا منطقة كردستان) تعمل وفق صيغة الإدارات المحلية بموجب قانون المحافظات رقم (59) لسنة 1969 وحتى الوقت الحاضر، أما منطقة كردستان فكانت تعمل بموجب قانون الحكم الذاتي لمنطقة كردستان الوارد بقرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 248 لسنة 1974 إلى غاية عام 1991 .
ö أما سمات ومميزات أجهزة الإدارات المحلية في الدول المتقدمة فمتباينة فيما بينها، فالإدارات المحلية في النظام الانكليزي والنظام الأمريكي تتميز بأنها تمثل اتجاهاً لا مركزياً واضحاً مقارنة بالإدارات المحلية في النظام الفرنسي الذي يبرز عكس الاتجاه المذكور، رغم تقارب هذه الإدارات المحلية في هذه الدول من حيث تمتعها بقدرات فنية ومالية ومستويات تخصصية عالية نسبياً، أما ظروف العمل في الإدارات المحلية فلا تختلف كثيراً عن ظروف العمل في الإدارات المركزية عكس ما تم ملاحظته في الدول النامية .
ö أما في الدول الاشتراكية فالإدارات المحلية تبرز اتجاهاً لا مركزياً واضحاً مع التزامها بالتخطيط المركزي القومي شأنها في ذلك شأن الإدارات المركزية، كما تتميز الإدارات المحلية في الدول الاشتراكية بتأكيدها على المشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات ورسم الخطط ضمن حدود صلاحياتها ومسؤولياتها الجغرافية، أما ظروف العمل والإمكانات الفنية والمادية ومستويات الانجاز في هذه الإدارات المحلية فمشابه إلى حد كبير للإدارات المركزية بسبب التزام الدولة بالتخطيط المركزي وتأكيدها على تطبيق مبدأ المساواة .
2-اللامركزية الوظيفية: وتتمثل في عملية توزيع السلطات والصلاحيات فقط على المستويات الهرمية وبين الأقسام المتخصصة داخل المنظمة أو الوزارة الواحدة، وتبرز الحاجة إلى هذا النمط الاداري كلما اتسعت مهام المستويات العليا وزادت أعمالها وضاق وقتها عن تسيير الأمور بكفاءة وفعالية .
3-اللامركزية السياسية: وهي عملية قانونية يتم بموجبها توزيع الوظائف الحكومية المختلفة – التشريعية والتنفيذية والقضائية– بين الحكومة الموجودة في مركز البلد والسلطات الموجودة في المراكز الأخرى التابعة لهذا البلد نفسه وينتج عن هذا التوزيع نوع من نظام الحكم يسمى (بالاتحاد الفدرالي)· فالاتحاد الفدرالي يتكون من عدة حكومات مركبة تشكل بمجموعها اتحاداً واحداً، فكل ولاية حكومة، ولكل حكومة سلطات ثلاثة: تشريعية وتنفيذية وقضائية وغالباً ما نلاحظ هذا النمط من الحكم في الدول المركبة من ولايات كالولايات المتحدة الأمريكية وسويسرا والأرجنتين والبرازيل والمكسيك والاتحاد السوفيتي السابق ويوغسلافيا واستراليا والهند وأندنوسيا وغيرها(12).
*مزايا اللامركزية Advantage Decentralization ذكرنا سابقاً إن الدول المتقدمة تميل لاتباع اللامركزية حيث أصبحت معلماً من معالم تقدمها بعد أن كان النظام المركزي هو السائد فيها، ويمكن بيان مزايا اللامركزية من النواحي السياسية والاجتماعية والإدارية على النحو الآتي(14):
1- مزايا اللامركزية من الناحية السياسية : ö تعيق الانفراد والاستئثار في السلطة . ö تزيد من فرص المشاركة السياسية في المجتمع . ö تجعل مطابقة القرارات التي تتخذها الأقاليم لمصالحها السياسية أمراً ميسوراً . ö تساهم في تعزيز الوحدة الوطنية في الدول المتكونة من شرائح قومية أو دينية متنوعة .
2- مزايا اللامركزية من الناحية الاجتماعية : ö تزيد من الوعي لدى شعوب سكان الأقاليم بأهميتهم وأهمية الأدوار التي يقومون بها . ö مساهمة سكان الأقاليم في مشاريع التنمية نتيجة الرغبة القومية إلى التقدم والمنافسة . ö تحمل سكان الأقاليم مسؤولية مواجهة المشاكل المحلية والعمل على حلها بصورة سريعة .
3- مزايا اللامركزية من الناحية الإدارية(15): ö التخفيف من العبء عن الإدارات في الحكومة المركزية . ö السرعة في انجاز المهام وتحقيق الكفاءة في العمل الاداري . ö سهولة التنسيق بين الدولة في الاقليم الواحد . ö تحفيز العاملين من خلال إتاحة الفرصة لهم بالمشاركة في عمليات اتخاذ القرار . ö تدريب المدراء في الأقاليم والمحافظات من خلال تفويض الصلاحية لهم وبذلك تفتح المجال لزيادة خبرتهم والتعلم من خلال العمل .
*عيوب اللامركزية DisadvantageDecentralization ö إضعاف السلطة المركزية، الأمر الذي سيؤدي إلى إضعاف التنسيق بين المركز والأقاليم، وبين الأقاليم نفسها، والتي هي من مسؤولية الإدارة المركزية . ö تجاوز سلطات الأقاليم والإدارات المحلية على الخطط الموضوعة في المركز مما ينعكس في إضعاف تنفيذ السياسات العامة للدولة . ö زيادة الأعباء المالية بسبب تكرار بعض الوحدات كالشؤون القانونية والادارية على المستوى المحلي . ö الحاجة إلى تشديد الرقابة على أنشطة الوحدات المحلية . ö الميل إلى الاستقلال وخاصة إذا رافق اللامركزية مشاعر العداء القومي أو الديني أو العرقي .
رابعاً – عوامل مؤثرة في اللامركزية :
يتأثر النظام الإداري في الدولة بالعوامل السياسية باعتباره جزء من النظام السياسي العام للدولة، إضافة إلى العوامل الاجتماعية والثقافية والسكانية والجغرافية والتي يمكن إيجازها بالنقاط الآتية(16)(17):
1- الفلسفة التي تؤمن بها الإدارة أو الدولة، فالسلطات القائمة على أيدلوجية دكتاتورية لا تحبذ اللامركزية، بينما تميل السلطات القائمة على أيديولوجية منفتحة على الشعب والتي تعتمد مبدأ المشاركة الشعبية الى اللامركزية . 2- حاجة الأمة، فالأمة التي تتكون من شرائح قومية وعرقية متنوعة تكون بحاجة إلى اللامركزية لأنها تحقق بواسطتها وحدتها الوطنية وتعتبر أفضل وسيلة لمواجهة أخطار الإنفصال والتقسيم. 3- وعي الأمة، فكلما زاد الوعي السياسي ازدادت الرغبة لدى الشعب بالمشاركة السياسية، واللامركزية هي احدى وسائل المشاركة السياسية في الحكم . 4- تعدد العوامل الثقافية كاللغة والمعتقدات الدينية والمذهبية، يدعو إلى إستخدام النظام اللامركزي للإفادة منه كوعاء يضم هذه التعددية ويساهم في ضمان مشاركة الجميع في برامج التنمية . 5- التشتت الجغرافي يدعو إلى تطبيق النظام اللامركزي لاادارة امور هذه الأقاليم كما بينا هذه النقطة سابقاً .
وختاماً، لابد من إعلام القارئ الكريم انه تم الاعتماد في كتابة هذا الموضوع على المراجع، التي صدرت قبل طرح مفاهيم اللامركزية والفدرالية في العملية السياسية الجارية في العراق أي تم الاقتصار على المراجع الصادرة قبل صقوط النظام في (9/4/2003) وذلك حفاظاً على حيادية الطرح والمناقشة، نأمل أن نلتقيكم في الموضوع القادم عن المركزية؛ مفهومها، مزاياها وعيوبها، والعوامل المؤثرة في تطبيقها.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين .
اللامركزيـــة : مفهومها، مزاياها وعيوبها، والعوامل المؤثرة في تطبيقها