ديوان المعاني
الباب الأول
كتاب المبالغة
في المديح والتهاني والافتخار وهو الباب الأول من كتاب ديوان المعاني وهو ثلاثة فصول.
الباب الأول من كتاب ديوان المعاني
الفصل الأول
المديح
سمعت أبا أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد، رحمه الله تعالى يقول: أمدح بيت قالته العرب قول النابغة الذبياني.
ألم تَرَ أنّ اللَّهَ أعطاكَ سُورة ... تَرى كلَّ مَلْك دُونها يَتَذَبْذَب
بأنك شمسٌ والملوك كواكبٌ ... إذا طلعت لم يبْدُ منهنّ كوكبُ
ثم
قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن يحيى بن العباس قال: حدثني أبو ذكوان قال:
ألم تر أن الله أعطاك سورة البيتين فقلت: ما عندي فيه إلا الظاهر المشهور،
يقول: فضلك على الملوك، كفضل الشمس على الكواكب فقال: نفهم معناه قبل هذا،
إنما يعتذر إلى النعمان من مدحه آل جفنه الغسانيين وتركه له، ويريد أن له،
في مدحه لهم عذراً ألا ترى إلى قوله:
ولكنني كنتُ أمرأ ليَ جانبُ ... من الأرض فيه مسترادٌ ومَذْهَبُ
مُلُوك وإخوان إذا ما أتيتهم ... أحَكَّم في أمْوالهم وأُقَرب
كحكمك في قوم أراك اصطفيتهم ... فلم تَرَهم في شُكر ذلك أذنبوا
يقول:
لا تلمني على شكري، وقد أحسنوا إلي إذ لجأت إليهم، وإن كانوا أعداءك، كما
أحسنت إلى قوم فشكروك عند أعدائك، فقد أحسنوا ولم يذنبوا، ثم قال: اعمل على
أني أذنبت فمن أين تجد من لا يذنب فقال:
ولستُ بمُسْتَبقٍ أخاً لا تلمُّهُ ... على شَعَثٍ أيُّ الرجالِ المهذبُ؟
فإن أكُ مظلوماً فعبد ظلمته ... وإن يك ذا عتبي فمثلك يُعتبُ
يقول: مثلك يعفو ويحسن وإن كان عاتباً، وفي كرمك ما يفعل ذلك، ولك العتبي والرجوع إلى ما يجب، ثم فضله عليهم فقال:
ألم تَرَ أن اللَّه أعطاك سُورةً ... ترى كل مَلك دونها يتذبذبُ
بأنك شمسٌ والملوك كواكب ... إذا طَلَعَتْ لم يَبْدُ منهن كوكب
يقول:
ما صلحت لي أنت، فإني لا أريد غيرك من الملوك، كما أن من طلعت عليه الشمس
لم يحتج إلى النجوم. قال أبو ذكوان: وما رأيت أعلم بالشعر منه. ثم قال: لو
أراد كاتب بليغ، أن ينثر من هذه المعاني ما نظمه النابغة، ما جاء به في
أضعاف كلامه، وكان يفضل هذا الشعر على جميع أشعار الناس. وقد سبق بعض شعراء
كندة النابغة إلى هذا المعنى فقال يمدح عمرو بن هند:
تكادُ تَمِيدُ الأرضُ بالناس إن رأوا ... لِعَمْرو بن هِندٍ غضبَةٌ وهو عاتِبُ
هو الشمس وافت يوم سعد فأفضلت ... على كل ضوءٍ والملوك كواكب
وقالت صفية الباهلية:
أخْنَى على مالكٍ ريبُ الزمان ولا ... يُبقي الزمانُ على شئ ولا يَذَرُ
كنا كأنجُمِ ليلٍ بَيْننا قَمَرٌ ... يجْلو الدُّجَى فهوَى من بيننا القمر
ومن ههنا أخذ أبو تمام:
كأن بني نبهانَ يومَ وفاته ... نجومُ سماء خَرّ من بينها البدرُ
وقال نصيب في معنى النابغة:
هو البدر والناسُ الكوكبُ حَوْلَهُ ... وهل يشبه البدرَ المضئَ الكواكبُ؟
ومثل قول النابغة:
احكم في أموالهم وأقرب
قول الأشجع:
لا تَعْذلوني في مديحي معشرًا ... خَطَبوا المديح إليَّ بالأموالِ
يتزحزحُونَ إذا رأوني مُقْبلا ... عن كل مُتَّكإ من الإجلال
وسمعت أبا أحمد يقول: أبرع بيت قيل في المديح قول النابغة:
فإنكَ كالليل الذي هو مُدْركي ... وإن خِلْتُ أن المنتأى عنك واسعٌ
ثم
قال: أخبرني محمد بن يحيى قال: أخبرنا عون بن محمد الكندي، أخبرنا قعنب بن
محرز قال: سمعت الأصمعي قال: سمعت أبا عمرو يقول: كان زهير يمدح السوقة،
ولو ضرب أسفل قدميه مائة على أن يقول مثل قول النابغة:
فإنك كالليل الذي هو مدركي
ما قاله، فما لا يقول مثله زهير كان غيره أبعد منه.