الإدارة الإسلامية
تقوم الإدارة الإسلامية على الأسس التالية:
أولاً: المشاركة في صنع القرار
إذا
ما أعدنا قراءة النصوص التي حثت على المشورة لوجدنا أن الغاية من هذا الحث
هو ايجاد مقدار من المشاركة في صنع القرار وان لا يتفرد رجل واحد في صنع
القرار سواء كان هذا الرجل قائداً عسكرياً أو مالياً، أو مديراً أو مسؤولاً
في أي ميدان من الميادين فـ(الشركة في الرأي تؤدي إلى الصواب) لأنها
مشاركة جمع من العقول، وإضافة آراء ذوي الخبرة والتجربة، فالقرار الذي يأتي
عبر مناقشة مستفيضة ستجتمع عليه الآراء فيكون أقرب إلى الصواب.
أما
نجاح العمل فالمشاورة تكفل هذا النجاح، يقول الإمام(ع): شاوروا فالنجاح في
المشاورة ولم يحدد لنا الإمام كيفية وأسلوب المشاورة، بل وضع أمامنا قاعدة
عامة وذكر لنا فوائد تطبيق هذه القاعدة ومضار تركها، ولم يستثن ميداناً من
الميادين، وهذا يعني أنها ضرورية لكل عمل يقوم به الإنسان وتشتد الضرورة
عندما يكون هذا العمل مناطاً بمجموعة من الأشخاص وليس فرداً واحداً.
وإذا
امعنا النظر في هذا النص: صواب الرأي باجالة الأفكار لاتّضحت لنا أهمية
المناقشات المستفيضة من ذوي الشأن للوصول إلى القرار الصائب.
ثانياً: حسن اختيار المدير
إذا
أحسنا اختيار المدير (أو أي موظف) فانه سيبقى مواصلاً لعمله، وهذا ما
يفعله اليابانيون أيضا، فهم يصرفون جهداً واسعاً في اختيار الموظف لأنهم
سيختارونه مدى الحياة في تلك الدائرة فحسن الاختيار يسد الطريق امام
المشاكل التي قد تطرأ نتيجة ضعف الموظف أو عدم انسجامه مع الجو العام وإذا
ما أمعنا النظر في رسالة الإمام(ع) إلى مالك الاشتر لوجدنا الشروط الصعبة
التي يضعها امامه عند اختياره لعماله: ثم انظر في أمور عمالك فاستعملهم
إختباراً، ولا تولّهم محاباةً وأثرة فإنهما جماعٌ من شعب الجَوْرِ
والخيانة، وتوَخّ منهم أهل التجربة والحياء من أهل البيوتات الصالحة،
والقدم في الإسلام المتقدمة فانهم اكرم أخلاقاً، وأصحّ أعراضاً (أغراضاً)
وأقلّ في المطامع اشراقا (اسرافاً) وابلغ في عواقب الأمور نظراً.
شروط
متعددة غير محصورة بالكفاءة اللازمة في العمل فقط، بل لابد من ملاحظة
(العامل) من النواحي النفسية والاجتماعية أيضا، حتى لا يأخذه الطمع ولا
تتغير نواياه وأغراضه كما لابد من ملاحظة سلوكه الاجتماعي وقدرته على
التكيّف في المحيط الاجتماعي الجديد، عند ذلك تبدأ مسؤولية المدير (ثم اسبغ
عليهم الارزاق، فإنّ ذلك قوة لهم على استصـــلاح انفسهم وغنىً لهم عن
تناول ما تحت أيديهم، وحــجة عليهم إن خالـــفوا أمرك أو ثلموا أمانتك)
فعندما تجتمع تلك الخصال في فرد من الأفراد ثم يقابل بالمكافأة الجيدة فإن
ذلك مدعاةً له لأن يستقيم في عمله ويواصل جهده لترقية المؤسسة.
وفي مكان
آخر يقول لمالك: وافسح له في البذل ما يزيل علته وتقلّ معه حاجته إلى
الناس، وإعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك.
وهذه عوامل تحصن الموظف من السقوط في طريق الرشوة، أو تغيير موقعه من مؤسسة لأخرى.
1ـ البذل الواسع الذي يكفل جميع حاجاته حتى يشعر بالغنى.
2ـ المنزلة المرموقة حتى يشعر بالأمن والطمأنينة على وظيفته، وهذا ما يسمى بالأمن الوظيفي.
فماذا
يريد الموظف بعد كل ذلك إذا كانت حياته مؤمنة، ووضعه الوظيفي مستقراً،
إنها كفالة كاملة لا تضمنها للموظف افضل الشرائع الادارية، فحتى الإدارة
اليابانية لا تحيط الموظف بهذا الشكل من الرخاء الأمني والمعيشي، فالموظف
يأخذ راتباً معيناً، وقد يكون هذا الراتب غير كاف لتغطية جميع نفقاته،
فماذا سيعمل حينذاك يا ترى؟
قد تدفعه الحاجة إلى أعمال مشينة مُخلة
بالأخلاق الإدارية. لكن في المنهاج الاداري لأمير المؤمنين عليه السلام يجب
أن يؤمّن الموظف حتى يصل حد الغنى، أي لا يتمّ الاكتفاء بالراتب الشهري
فقط، بل المعيار هو تأمين حاجاته، ومن ثمّ توفير الأمن الوظيفي له: واعطه
من المنزلة لديك مالا يطمع فيه غيره من خاصتك.
ثالثاً: العمل المقرون بالعمل والتجربة
وهو
العنصر الثالث من عناصر الإدارة اليابانية، وهو أول الكلام في النظام
الإسلامي، فقد أنزل الله سبحانه وتعالى أول كلمة على قلب رسول الله(ص) وهي
تحمل تعاليم بالحث على العلم، أما أمير المؤمنين(ع) فليس هناك في قاموس
كلماته التي استعملها اكثر من كلمة العلم وهي تتردد على لسانه البليغ.
ودائماً
العلم إلى جانب العمل، فأحدهما بدون الآخر يبقى ناقصاً، لنتصفح أقواله(ع):
على العالم أن يعمل بما علم، ثم يطلب تعلّم ما لم يعلم وأحد مصاديق هذا
القول الرجل الياباني الذي يدخل المؤسسة ويتلقى في كل يوم دروساً جديدة
لتطوير العمل داخل تلك المؤسسة، فهو يواصل العلم والعمل معاً وسوية.
يقول
أمير المؤمنين(ع): جمال العالم عمله بعلمه فالقاعدة التي يضعها الإمام هي:
اصطباغ العمل بالعلم، واقترانه به حتى يصبح عمله قائماً على اسس متينة،
وتكون ثمرته الإنتاج الوفير.
يقول أمير المؤمنين(ع): لا خير في العمل
إلا بالعلم فلو كان اليابانيون عرفوا بهذه الحكمة لاستنسخوها ولوضعوها في
لوحة وعلقوها في جدار مصانعهم ودوائرهم. لانهم بذلوا الكثير حتى تمكنوا أن
يحققوا هذا الزواج الدائم الذي لا ينقطع بين العلم والعمل حتى داخل المصنع
وإذا سألتهم لماذا تصنعون ذلك؟ لقالوا لك.. بانها السعادة التي يطمحون
إليها، اعملوا بالعلم تسعدوا.
وإنها النجاح الباهر: اعمل بالعلم تدرك
غنماً. لأنّ العمل بالعلم من تمام النعمة أما لو امتنع الإنسان العامل عن
أخذ العلم باستمرار فما هي نتيجة ذلك يا ترى؟
العمل بلا علم ضلال.
وما هو دور كل واحد منهما؟
العلم يرشدك والعمل يبلغ بك الغاية.
فالعلم
هو الضوء الذي ينير الدرب امّا العمل فهو العجلات التي تحمل الإنسان إلى
الهدف فمن جمع الاثنين سار في الطريق الصحيح: العامل بالعلم كالسائر على
الطريق الواضح.
رابعاً: التقدم في العمل
التدريب
على الإدارة في داخل المصنع هو أحد مصاديق انتهاز الفرص. فرص التقدم تنمية
القدرات الذاتية للارتفاع في سلم التوظيف.. وقد دعّم أمير المؤمنين(ع) هذه
الفكرة من أبعاد عديدة هي:
1ـ انتهاز الفرص
فتوفير اجواء التقدم في
المصنع هو فرصة ذهبية يجب انتهازها قبل أن تفلت، يقول أمير المؤمنين(ع) إذا
أمكنت الفرصة فانتهزها فإنّ اضاعة الفرصة غصة.
فيجب أن يكون الفرد
حساساً لكل لحظة من لحظاتها لأنها إذا مضت لن تعود بعد ذلك يقول أمير
المؤمنين(ع): الفرصة سريعة الفوت بطيئة العود فلا مجال للتباطؤ حتى التؤدة
التي امتدحها أمير المؤمنين(ع) كفضيلة من الفضائل لا قيمة لها في مواجهة
الفرصة، بـــل لا معنى لهـــا هنا؛ التؤدة مـــمدوحة في كــل شيء إلا في
فرص الخير.
والفرصة تمرّ مرّ السحاب فكان لابد من استثمارها قبل أن تذهب إلى سماء الآخرين (انتهزوا فرص الخير فإنها تمرّ مرّ السحاب).
2ـ كن حازماً
من
هو الحازم؟ هو الذي ينتهز تلك الفرص الذهبية التي وفرتها له الظروف
والبيئة، وهو الذي يستفيد من التجارب، يقول أمير المؤمنين(ع) من يجرّب يزدد
حزماً.
ويقول أيضا: الحزم حفظ التجربة.
فالتجربة هي علم مستأنف ـ
كما قال أمير المؤمنين(ع) فهي مصدر من مصادر المعرفة بل هي المعرفة الحقة
لأنها مطابقة تماماً للواقع، امّا العلم فهو بحاجة إلى التجربة لمعرفة مدى
صدقيته على الواقع. من هنا كان: المجرب أحكم من الطبيب لأن معرفته بصغائر
الأمور أدق من معرفة الطبيب.
لذا كان الحازم من حنّكته التجارب وهذّبته النوائب وقد أخذ اليابانيون بهذه الحكمة، وفضلوا صاحب التجربة على صاحب الشهادات العليا.
3ـ التقدم المستمر
التوقف
هو الموت، والتقدم هو الحياة.. ومن يتقدم هو الكيّس والكيّس من كان يومه
خيراً من أمسه فهو حساس للوقت تثيره كل لحظة تمر على حياته، وهو يسأل نفسه
ماذا استفدت خلال تلك اللحظة، وهذا هو شعار من يريد التقدم في الحياة،
علامة التقدم أن يضيف شيئاً جديداً إلى مخزون التجارب، والمعرفة ليزداد
رقياً وتقدماً فإذا سنحت له الفرصة فإنه سيستفيد منها حتى اللحظة الواحدة.
4ـ مرافقة ذوي التجارب:
فذوو
التجارب هم مصدر المعرفة الواقعية، ومن الطبيعي أن يستفيد المتعلم من
أصحاب التجارب أكثر ممن يتلقى العلوم النظرية، وقد استفاد اليابانيون من
هذه القاعدة عندما حوّلوا معاملهم إلى جامعات يستفيد منها العامل الجديد
الذي يدخل المصنع لتوّه، فهو يتلقى الخبرة ممن سبقه، والذي سبقه ممن سبقه،
وقد جاءت هذه القاعدة على لسان أمير المؤمنين(ع): خير من شاورت ذوو النهى
والعلم وأولوا التجارب والحزم.
وأيضا قال: أفضل من شاورت ذوو التجارب.
ويقول
في مصاحبة أصحاب العلم والتجربة: خير من صاحبت ذوو العلم والحلم فهذه
النصوص ما هي إلا قواعد غايتها إعداد الإنسان الناجح في الحياة ومن ثم بناء
المجتمع المتصف بالتقدم والرقي المستمر.
خامساً: الإدارة الأبوية
المدير
هو أب قبل أن يكون صاحب سلطة، وهو يتعامل مع موظفيه على أنهم أبناؤه،
فمثلما يتحمل الاب تربية ابنائه كذلك يتحمل مسؤوليته إعداد المدراء، وهذا
ما أخذت به التجربة اليابانية، والذي نجد له مصداقاً في عهد الإمام أمير
المؤمنين(ع) إلى مالك الاشتر، إذ يوصيه بموظفيه قائلاً له: ثم تفقّد من
أمورهم ما يتفقد الوالدان من ولدهما . فيجب أن يتعامل المسؤول مع افراده
معاملة الوالد لولده فيرعاهم، ويعفو عنهم عندما يسيؤون وعندما يعاقبهم
فعقوبته هي تربيته لهم.
النتيجة
وخلاصة
القول في التجربة اليابانية، أن هذه التجربة قامت على أسس أكّد عليها
الإسلام من قبل بل إن ما جاء في الإسلام وعلى لسان أمير المؤمنين(ع) هو أدق
وأفضل مما دعت إليه هذه التجربة ـ كما سبق ورأينا من النصوص التي ذكرناها.
فلو
افترضنا، أن اليابانيين أخذوا بتلك التعاليم والأسس والقواعد التي وضعها
أمير المؤمنين(ع) لفاقوا وضعهم الحالي، ولازدادوا تقدماً ورقياً بدليل أن
المسلمين تقدموا خلال ومضة زمنية صغيرة وبامكانات قليلة، ذلك التقدم الذي
سطره لنا التاريخ، كل ذلك بسبب حسن التربية والإدارة التي خرّجت للبشرية
رجالاً لا يعرفون التراجع في حياتهم، وتقدموا حتى اصبحوا منارةً للشعوب.