Admin المدير
عدد المساهمات : 1955 تاريخ التسجيل : 09/11/2012 العمر : 33 الموقع : https://khenchelauniv.roo7.biz/
| موضوع: مبدا التدخل الأحد نوفمبر 11, 2012 7:50 pm | |
| مصطلح يشمل حالات متعددة يقوم فيها طرف فاعل بالتدخل في شؤون آخرين. وقد حظيت هذه العلاقة باهتمام كبير من جانب البحاثة. وقد سعى المحامون انطلاقاً من حججهم التي تستند إلى نقطة الانطلاق التي مفادها أنه ثمة معيار دولي لعدم التدخل، لوضع قواعد عملية تسمح بإنجاح التدخل. وسعى مؤرخو الدبلوماسية لفهم سبب حدوث بعض حالات التدخل، والتي تكون عادة ذات طابع خلافي وربما مؤثر، في حين سعى علماء السياسة إلى تحديد واشتراط الخصائص التي تربط بين هذه الوقائع المنفصلة ضمن ذلك النوع من السلوك الذي نسميه بالتدخل.
ففي النظام الكلاسيكي لسيادة الدولة الذي أنشئ بعد معاهدة وستفاليا، كان يتعين تقييد مبدأ التدخل، بوصفه نمطاً سلوكياً، وإحاطته بقيود قانونية ودبلوماسية. فإذا تدخلت الدول ورجال الدولة طوعاً أو كرهاً بعضهم بشؤون بعض فعندئذ سوف تتقوض فكرة السيادة والمساواة والإقليمية ذاتها. بناء على ذلك نشأ نموذج كرة البلياردو للدولة الفاعلة لتكريس وتعزيز الفكرة التي مفادها أن ما سماه المحامون الولاية القضائية المحلية سوف يسود. وهذا يعني أن بعض المسائل والاهتمامات "محظورة" على مجتمع الدول. وسميت المناطق الأساسية التي ينطبق عليها هذا الحظر بعبارات مثل "سلامة الأراضي" و"الاستقلال السياسي". فجوهر هذه الأفكار ينطوي على محاولة حماية الوضع الإقليمي والحكومي في الدولة ذات السيادة. فالأراضي والهيكل الحكومي لهما أهمية متأصلة ورمزية للدول ولرجال الدول. لذا فيُفترض أن التدخل في هذه المسائل محظور بموجب مبدأ السيادة.
ما هي الحدود التي يمضي فها السلوك ليشكّل "تدخلاً"؟ تلك مسألة موضع نقاش. من المؤكد أن القوة العسكرية، في النظام الكلاسيكي، كانت الأداة المتاحة على نطاق واسع أكثر من أي وسيلة أخرى لهذا الغرض. فيمكن استعمالها بغية الوصول إلى الأرض والهيكل الأساسي للدولة المستهدفة. ويكون أثر التدخل من هذا النوع مثيراً وحاسماً في بعض الأحيان. فعندما يتم اللجوء إلى خيار القوة يصبح التراجع عنه صعباً. فالنفوذ الذي يقام بالقوة يقتضي القوة للمحافظة عليه. وبما أن القوة كانت تشكل ذلك التهديد الكبير لحصرية سيادة الدولة كان لابد من إيجاد ترياق لها، تتمثل، كما رأينا، بمبدأ عدم التدخل. وإذا تبين أن هذا غير كاف دبلوماسياً، فعندئذ كان يتم اللجوء إلى ميزان القوى. ومع أن ميزان القوى كان ينطوي أحياناً على تكتيكات تدخلية، إلا أنه كان يفيد في ردع وكبح التدخل، أو كان يُفترض أن يفعل ذلك. وكانت هذه الوظيفية الوقائية تتحقق عبر آلية الردع. فالدول في النظام يمكنها التصرف لمنع الآخرين من التدخل في شؤونها، وفي شؤون أطراف ثالثة من خلال التهديد بفرض عقوبة معقولة. وهذه العقوبات كانت بدورها تتجلى عادة بأشكال عسكرية. ويقال إن أبلغ تعبير عن ميزان القوى قد حصل خلال دبلوماسية القرن التاسع عشر، لا سيما في الفترة التي تلت هزيمة فرنسا عام 1815 وقبل الحرب العالمية الأولى. وفي أثناء هذا الإطار الزمني كانت تطورات أخرى تجري في الشؤون الدولية كان من شأنها أن تزيد إمكانات واحتمالات قيام الدول بالتدخل في مسائل تقع من حيث الأساس ضمن النطاق الحاصر للولاية القضائية المحلية.
أولاً، أنشأ ظهور الدولة الليبرالية – الديمقراطية في أوروبا الغربية وفي أمريكا الشمالية نوعاً من النظام السياسي أكثر عرضة بكثير للتدخل. فقد كانت الأفكار المتصلة بالتجارة الحرة تعني ضمنياً حرية السلع والخدمات عبر الدول. وكانت الأفكار المتصلة بالحرية السياسية والديمقراطية التمثيلية تعني ضمنياً حرية حركة الأفكار. ومما ساعد على هذه التطورات وسائل الاتصالات والنقل السريعة والفعالة. وقد أطلق الكُتاب على هذه التغييرات الشاملة كلمة الترابط (interdependence).
ثانياً، أدى ازدياد عدد الفاعلين في النظام الدولي إلى إيجاد بنية يمكن فيها للتدخل أن يزدهر. كما أنه يجب أن لا يتبادر إلى الذهن أن هؤلاء الفاعلين يقتصرون على الدول. إن تطور المنظمات الدولية الحكومية، لا سيما في القرن العشرين، يعني أنه يمكن لهؤلاء الفاعلين اعتماد سياسات تدخلية ومحاولة تنفيذها لاحقاً. ومن أمثلة ذلك الإصرار المتواصل لأكثرية الأعضاء في الأمم المتحدة على مناقشة الفصل العنصري، رغم الاستشهاد بدفاعات الولاية القضائية المحلية من قبل حكومة الدولة.
كما أن زيادة الفاعلين يتيح زيادة عدد الأهداف المحتملة للتدخل. فكثير من دول "العالم الثالث" الأقرب عهداً هي عبارة عن تسويات متعددة الاثنيات ويكون لها في كثير من الأحيان هيكل حكومي يتصف بالهشاشة والفساد. فمن الواضح أن هذه الدول المشرذمة أكثر تعرضاً للتدخل. وكثيراً ما لا يكون من الصعب إيجاد جماعة أو حزب ذي مصلحة ضمن النخبة الحاكمة تكون مستعدة للتعاون مع الطرف الخارجي ويتم بذلك الوصول إلى مركز السياسة. والمثال النموذجي هو حالة النزاع المدني الذي ينطوي على صراع نشط وعلني مع السلطة والذي تسود فيه عملية البحث عن حليف لدى أطراف خارجية. وفي هذه الحالة تكون أهداف الطرف الذي يقوم بالتدخل محددة مسبقاً من قبل الجماعات المنشقة نفسها في حين أن وسائل التدخل تشمل تشكيلة واسعة تتراوح بين الدعم الدبلوماسي والمساعدة الاقتصادية إلى العمليات العسكرية. ويعد تدخل الولايات في فيتنام مثالاً جيداً على هذه العملية.
وهكذا بعد أن كان الموقف الأولي يدعو إلى عدم التدخل، فقد حدث تحول إلى الموقف الحالي الذي انتشر فيه التدخل بين الفاعلين الدوليين . ومن الواضح أن أدوات التدخل تشمل سلسلة متصلة تتراوح بين استخدام القوة في أقصى الطرف والأشكال التقليدية للدبلوماسية في الطرف الآخر. ولكن إلى أي درجة من الثقة يمكن تحديد أهداف التدخل؟ في البداية يعتقد الطرف المتدخل بأن بوسعه تغيير الوضع تغييراً جوهرياً بحيث لا يصبح أكثر سوءاً من جراء أفعاله. على أنه من الأهمية بمكان أن نتذكر بأن التدخل نادراً ما يكون عملية تتم دفعة واحدة وأنه بعد المضي في سياسة التدخل فإنه يتم تجاوز عتبة وتكون النزعة إلى المضي قدماً بالقرار الأصلي ذاته بدلاً من مواصلة إعادة تقييم صحته. ثم إن رد فعل الجهة المستهدفة يمكن أن يؤثر في النظرة إلى الأهداف. فقد تتغير الأهداف الأصلية وقد يتم الاضطلاع بأهداف جديدة كلياً نتيجة الدينامية بين مبادرة تدخل واستجابة من قبل هدف. كما أن النقطة التي تتعلق بالإطار الزمني الذي يفترض أن يتم فيه التدخل تبدو أمراً حاسماً لفهم الأهداف.
لقد أشير في البداية إلى مفاهيم البحاثة بشأن التدخل. ومن أكثر المحاولات طموحاً لطرح رأي شامل تلك التي قام بها عالم السياسة ج. ن. روزناو (J. N. Rosenau). ففي سلسلة من الأوراق التي كان لها تأثير كبير أوضح روزناو (1968، 1969 أ) أن للتدخل خاصتين: فهو يبدو أنه ابتعاد عن السلوك التقليدي أو العادي وأنه موجه عن قصد إلى هيكل السلطة السياسية.
إن النظرة إلى التدخل بوصفه ابتعاداً عن سلوك سابق تنطوي على ميزات كثيرة. فهي تعكس التقليد القانوني الذي سبقت الإشارة إليه والذي يميل إلى اعتبار عدم التدخل هو القاعدة. فمن هذا المنظور يعتبر التدخل انتهاكاً. ولسوء الحظ يبدو أن السلوك المعاصر من جانب الفاعلين الدوليين وكأنه يجادل بعكس ذلك. فقد أصبح التدخل الآن هو القاعدة، وليس العكس. ثم إنه يقال إن الأدوات أكثر دقة وقدرة مما كان عليه الوضع في السابق، الأمر الذي يجعل التدخل أكثر انتشاراً ومخاتلة. إن التأكيد على أن التدخل هو عبارة عن انتهاك يحول الانتباه من وجهة النظر التي تؤكد على التدرجية بوصفها من خصائص السلوك التدخلي. فهو يتفادى الحجة الخلافية، إن لم نقل المريبة، التي طرحها روزناو بأن تدخل الولايات المتحدة في فيتنام بدأ بحملة القصف في فبراير 1965.
إن اشتراط أن يكون الطرف المستهدف في التدخل هيكل الحكومة يبدو واعداً أكثر مما ورد آنفاً. وقد تكون نقطة انطلاق أكثر معقولية القول إن التدخل يحدث حين يتم التحديد الرسمي للقيم ضمن البيئة الداخلية لطرف فاعل من قبل، أو بمساعدة وموافقة أشخاص وأطراف يمثلون فاعلين دوليين آخرين. هذا التعريف يشمل أنشطة مثل وصول فريق صندوق النقد الدولي إلى عاصمة دولة وإصرارهم على ميزانية أكثر توازناً قبل منح القرض. كما يشمل أنشطة منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت وكذلك التمويل الأمريكي الكبير لحرب مناهضة التمرد الفرنسية في الهند الصينية قبل خمس عشرة سنة من بداية القصف الأمريكي الصريح. لقد ركزت وقائع ما بعد الحرب الباردة الانتباه على التدخل في الصراعات الطائفية حيث تكون هياكل الدولة قليلة أو لا وجود لها على الإطلاق. لقد ركز نمو السياسة البيئية الأذهان على احتمال أن لا يكون بالإمكان إدامة الأنظمة البيئية إلا على حساب سيادة الدولة. | |
|