كتاب النظرية السياسية
مقــــدمــــة
أهمية علم السياسة
تعتبر
دراسة السياسة مهمة هائلة لكنها أيضاً ممتعة. فالسياسة عالم من التعقيدات
الواسعة، والأسئلة ألا محدودة والتحديات التي لا نهاية لها. ولنتأمل
الأحداث السياسية خلال العشرين سنة الماضية فقد سقط الاتحاد السوفيتي وتفكك
في نفس الوقت الذي اقتربت فيه أوروبا من تحقيق وحدتها. كذلك فإن نفس الجيل
الذي شهد نهاية عصر التمييز العنصري في جنوب أفريقيا قد شهد أيضاً التطهير
العرقي يجتاح يوغسلافيا السابقة. ويعيش البعض اليوم عصر تقنية شرائح
ورقائق الكمبيوتر الدقيقة بينما لا يزال البعض الآخر من قبائل البدو الرحل
والسكان البدائيين يعيشون بنفس الطريقة التي عاشها أسلافهم منذ عشرات
القرون. كما أن فكرة القومية التي كانت أساس الفاشية والعنصرية في أوروبا
خلال الحرب العالمية الثانية أصبحت اليوم ملهماً للحركات الليبرالية
المعاصرة في أنحاء مختلفة من العالم.
وحقيقة فإن التنوع السياسي العالمي
يبدو بلا نهاية، فكما يساور القلق كثير من مواطني الولايات المتحدة حول
الميزانية والإنفاق الحكومي نجد أن كثيراً من نظرائهم العراقيين يحاولون
مجرد البقاء على قيد الحياة على أمل إعادة بناء ما دمرته الحرب الأخيرة.
وبينما تهتم الصين بتحديث اقتصادها للإيفاء باحتياجات شعبها الأكبر في
العالم، نجد أن دولة ديموقراطية صغيرة مثل نيوماوالندا يتركز اهتمامها في
متابعة وتقليص الآثار البيئية والصحية الناتجة عن التجارب النووية التي
أجرتها فرنسا أخيراً قريباً منها.
كيف يمكننا البدء بتحليل هذه
الأحداث السياسية المتنوعة؟ أن صعوبة هذه الأسئلة كادت في بعض الأحيان أن
تحبط أبرز علماء السياسة، وبينما نواجه ضخامة هذه المهمة ونتبصر فيها فإنه
من المفيد أن نأخذ في الاعتبار ما لاحظه عالم السياسة الأمريكي ديفيد إيستن
من أن السياسة مرتبطة إلى حد كبير بالتغيير. فالسياسة هي عالم من التقلبات
المتواصلة، والتوترات والتحولات. وهذا التغير يمكن أن يكون عالمياً في
تبعاته كما هو الحال في صعود وسقوط القوى العالمية كالإتحاد السوفيتي
والولايات المتحدة، كما يمكن أن يكون محلياً بدرجة كبيرة كما هو الحال
عندما يتغلب حرب سياسي على آخر في انتخابات إحدى البلدان، إلا أنه وفي عالم
يتسم بتنامي الاعتماد المتبادل فإن حتى تلك التغيرات التي تبدو أساساً ذات
طابع محلي يمكن أن يتردد صداها وتصبح ذات أهمية عالمية.
كذلك فإن
السياسة تتعلق أيضاً بصناعة القرار حول موارد العالم فبينما يمكننا النظر
إلى تعليقات ايستن لتقدير مفهوم التغير كمفهوم محوري للسياسة يمكننا أيضاً
الاستفادة من مقترحات عالم السياسة الأمريكي الآخر هارولد لازويل التي تنظر
للسياسة على أنها تقرير من يحصل على الموارد المتاحة في العالم ومن لا
يستطيع ذلك. وتعتبر أفكار لازويل هامة لنا عندما نبدأ في دراسة السياسة
لأنها توجهنا نحو تساؤلات خادعة ومثيرة في تعقيداتها من مثل لماذا يحتمل أن
يعمر المواطن الأوربي أطول من المواطن الأفريقي جنوب الصحراء الكبرى؟
فالسياسة، كما تخبرنا أفكار لازويل، تلعب دوراً كبيراً في هذا المجال.
فتوقعات الحياة، وتوفر مصادر مياه آمنة وفرص الحصول على عمل ذي مردود كاف –
كل هذه الجوانب من حياتنا تتأثر بشكل كبير بالقرارات السياسية لحكومات
العالم عندما تتخذ هذه الحكومات قرارات حول كيفية توزيع موارد هذا العالم.
فالطب والمياه والغذاء والسكن والعمل ليست ظواهر لا يستطيع الإنسان السيطرة
عليها، بل على العكس من ذلك فإن عالم السياسة المكون من قرارات تلك
الحكومات هو الذي يؤثر سلباً أو إيجاباً على حياة الأفراد ويعزز فرص حصولهم
على الخدمات الأساسية تلك أو يحرمهم منها. بمعنى آخر أن السياسة تتضمن
خيارات الحكومات والمواطنين وخاصة (في المجتمعات التي تتمتع بقدر من
الحرية) فيما يتعلق بالطريقة التي من خلالها تقدم الخدمات الطبية والمياه
والغذاء والسكن والعمل لشعوب العالم أو تحرم منها.
ولذلك فقد كان
أرسطو واضع أسس علم السياسة محقا عندما أطلق على علم السياسة سيد العلوم،
وهو كان يعني بذلك أن كل شيء تقريباً يحدث ضمن إطار سياسي. وذلك لأن قرارات
دولة مدينة أثينا (التي عاش فيها) كانت تتحكم في معظم جوانب الحياة. إما
علم السياسة من وجهة نظر عالم السياسة الأمريكي هارولد لازويل فهو دراسة
"من يحصل على ماذا". ولكن ألا يحدد النظام الاقتصادي من يحصل على ماذا؟ ومع
أن ذلك ممكنا في الدول ذات الأسواق الحرة ولكن من يقرر، ما إذا كان ينبغي
أن يكون هناك نظام لسوق حرة؟ من الذي يبلغ بيل جيت Bill Gate مثلاً بأنه
ينبغي عليه أو لا ينبغي أن يضّمن برامجه لتصفح الإنترنت مع آخر إصدار من
نوافذ Windows التي ينتجها أيضاً وهو قرار يساوي بلايين الدولارات. أن
السياسة متعلقة بالاقتصاد بشكل وثيق.
ولنفترض أن كارثة طبيعية
كالفيضان حدثت، فإن النظام السياسي هو الذي يقرر ماذا كان ينبغي أن نبني
مصدّات وأين تبنى وأي من ضحايا الفيضان ينبغي مساعدته، نعم الفيضان حدث
طبيعي ولكن تأثيره على المجتمع يسيطر عليه بدرجة كبيرة النظام السياسي.
وماذا عن العلم؟ وعن عالم الأحياء الذي يتابع البكتيريا من خلال مجهره؟ هذا
ليس سياسة ولكن من الذي يدعم ويمول تعليم أولئك العلماء ومؤسساتهم
البحثية؟ ألا تلعب الحكومة دوراً بارزاً في ذلك؟ إذن فالبكتيريا والفيروسات
تعتبر أحياء طبيعية ولكن دراستها تعتبر في الغالب شأناً سياسياً.
وحقاً
فإن السياسة تشمل كل تلك القرارات التي تتعلق بكيفية صنع القوانين التي
تحكم الحياة المشتركة، هذه القوانين يمكن أن تتخذ بطريقة ديموقراطية أو
استبدادية، ويمكن أن تدعم السلام أو تشجع العنف ويمكن أن تفّعل وتمكن عامل
الدول وحتى العوامل غير الدولية (مثل النقابات العمالية، ووسائل الإعلام،
الشركات عبر القومية...إلخ). ومهما كانت تلك القوانين فإن السياسة ترتكز
على الاعتراف بأن حياتنا مشتركة طالما أننا نعيش في أماكن عامة مشتركة مثل
أقاليم الدولة. فإذا سافر أحدنا على الطريق العام أو توقف عند إشارة مرورية
أو التحق بجامعة حكومية فإنه بلا شك قد أشترك في مكان وموارد تحكمها
القوانين المتخذة سياسياً والمطبقة من قبل الدولة. ولذا فبغض النظر عما إذا
كنا واعين ومدركين لهذه الحقيقة أم لا فإننا في حياتنا العامة جزءاً من
السياسة. فنحن كما كان الفيلسوف الإغريقي أرسطو يقول حيوانات سياسية بطبعنا
نعيش في عالم من المشاكل والإمكانيات المشتركة وفعلاً وكما أكد أرسطو فإن
محاولة إخراج أنفسنا من السياسة سيعني إخراج أنفسنا من عالم إنسانيتنا
المشتركة. باختصار فعندما ندرس السياسة سنرى أنها تمس كل شيء كما يقول عالم
السياسة روبرت دال.
ومع أن كثير من الناس يمقتون السياسة وربما
كانوا على حق، فالممارسة السياسية ربما تكون لا أخلاقية، فإساءة استخدام
السلطة والتأثير والفساد الفاضح تعتبر سمات ملازمة للممارسة السياسة، إلا
إنه مع ذلك لا يجب علينا أن نحب الشيء الذي ندرسه. فعالم الأحياء مثلاً
يمكن أن يلاحظ بكتيريا مسببة للأمراض تحت مجهره، ومع ذلك فهو لا يحب
البكتيريا لذاتها لكنه مهتم في معرفة كيف تنمو وكيف تؤثر على صحة الإنسان
وكيف يمكن القضاء عليها. وكما أن عالم الأحياء لا يغضب من البكتيريا ويكسر
بالتالي أنبوب الاختبار الذي يحتويها، لأنه يهتم أولاً بمعرفة تلك الأحياء
الدقيقة ومن ثم يحاول التوصل إلى طريقة لتحسين صحة وحياة الإنسان فكذلك
عالم السياسة يحاول أن يفعل الشيء نفسه مع السياسة.
مفاهيم أساسية في علم السياسة1- السياسة
ما
هي السياسة؟ من وجهة نظرنا فإن السياسة هي العملية التي من خلالها تصنع
الجماعة قرارات جماعية مشتركة. ويتفاوت حجم الجماعة ابتداء من الأسرة
الواحدة إلى الأسرة الدولية. كذلك يتم التوصل إلى القرارات بطرق مختلفة
منها : العنف، النقاش، الأعراف، المقايضة والتصويت. والشيء الذي يجعل من
تلك القرارات سياسية هو طبيعتها المشتركة التي تؤثر على أولئك المنتمين
للجماعة.
والسياسة ليست دائماً قائمة على الخلاف، إذ أن أحد الأسباب
التي تدعو لدراسة السياسة يتمثل في البحث عن الظروف التي تستطيع في ظلها
الجماعة تحقيق أهدافها سلمياً وبكفاءة. ومن هذا المنظور فإن السياسة تعتبر
بناءة وعملية. ومع ذلك فإن كثيراً من نكهة السياسية تنبع من حقيقة أن أعضاء
الجماعة نادراً ما يتفقون، منذ البداية على الأقل، على الوجهة التي يسيرون
عليها. وحتى لو كان هناك اتفاقاً على الأهداف فإنه يمكن أن يظل هناك
اختلافاً حول الوسائل.
وينبع الاختلاف في جزء منه من الندرة. فمهما كانت
قطعة الكيك كبيرة فإنه سيظل بالتأكيد بعض المساومة على حجم القطع. وعندما
تكون المصادر محدودة فإن هذا يعني أن بعض الأهداف يمكن أن تعطى أولوية على
غيرها. لكن الخلاف يمكن أن يبرز أيضاً بسبب الاختلافات الطبيعية في الآراء
ووجهات النظر. فكما يتوجب على قبيلة بدوية ، على سبيل المثال، أن تقرر بشكل
جماعي عندما تعزم على الرحيل فكذلك الحال مع الدولة القومية الحديثة التي
يتوجب عليها أن تعزز بشكل مشترك (جماعي) فيما إذا كان ينبغي لها أن تذهب
إلى الحرب. وعندما تكون الجماعة بكاملها مشتركة في اتخاذ القرار فإنه لا
يكون هناك إلا قراراً واحداً. ومن ثم فإن مضمون السياسة يشمل رسم الأهداف
واتخاذ القرارات للجماعة بالإضافة إلى تقرير الكيفية التي ينبغي من خلالها
توزيع الموارد ضمن تلك الجماعة.
ولا يعتبر مجرد وجود مشكلة جماعية
كافياً في حد ذاته لتوليد الرغبة السياسية اللازمة لإيجاد حل جماعي. بل
يبدو في الغالب أنه كلما كبر حجم الجماعة كلما أصبح التوصل إلى حل أكثر
أشكالاً. ولنأخذ موضوع البيئة، على سبيل المثال، الذي يعتبر في الأساس
موضوعاً يهم الجميع، وفي مثل هذه الحالة يصبح العالم بأجمعه معنياً بالأمر.
فبغض النظر عن من تكون أو أين تعيش إلا أنك تشترك مع الآخرين في الاهتمام
بمنع حدوث الدفء الكوني ونفاذ طبقة الأوزون. ومع ذلك فإن بلدان العالم تجد
أنه من الصعب، على الرغم من أننا نتمنى ألا يكون مستحيلاً، عليها القضاء
على تلك المشاكل. ويعود هذا في جانب منه إلى حقيقة أن المتسببين الرئيسين
في التلوث (مثل الولايات المتحدة) هم في الغالب الأبطأ من غيرهم في تبني
سياسات غير ضارة بالبيئة. ولذلك فإن إحدى مشاكل السياسة تتعلق بإيجاد تفسير
لسبب وجود مثل تلك الفجوة الكبيرة بين الاعتراف بالمشكلة الجماعية من جهة
والاتفاق على حل جماعي لها من جهة أخرى.
وبالتالي فإن تعريف السياسة على
أنها العملية التي تستطيع من خلالها الجماعة اتخاذ قرارات جماعية يعتبر
تعريفاً محايداً نسبياً. أما التعريفات الأخرى فتعتبر أكثر تخميناً، فعلى
سبيل المثال، تستخدم السياسة في الخطاب الشعبي في الغالب من منظور انتقادي
للإشارة إلى السعي اللاأخلاقي لتحقيق مصلحة خاصة. وعلى النقيض من الجهة
الأخرى يتمنى بعض المفكرين أن يقصروا استخدام مصطلح السياسة على الأنماط
الأكثر تحضراً لصناعة القرار. ولذلك يتساءل كريك (1982) لماذا نطلق على
الصراع على السلطة سياسة بينما هو ببساطة صراع على السلطة؟ حيث يفضل كريك،
أن يعرف السياسة بشكل أكثر إيجابية على أنها "النشاط الذي من خلاله يتم
التوفيق بين المصالح المختلفة ضمن جماعة ما وذلك بإعطاء تلك المصالح نصيباً
من السلطة يتوازى مع أهميتها فيما يتعلق برفاه وبقاء مجتمعها". لكن
المشكلة في هذا التعريف أنه يجرد أو يعماوال الخلاف عن السياسة، إذ أنه يرى
أن السياسة مثالاً ينبغي الوصول إليه بدلاً من أن تكون حقيقية حتى يمكن
وصفها.
2-الحكومة
يشار إلى أن هناك جانباً سياسياً
لكثير من نشاطنا اليومي، ومع ذلك فإنه كلما تطورت الجماعات والمنظمات
الاجتماعية وازدادت تعقيداً كلما أصبح النشاط السياسي أكثر تكراراً وبرزت
أنماط مستقرة لصناعة القرار الجماعي. ويطلق على النمط المستقر والمنتظم
لصناعة القرار بالحكومة. فالحكومة، إذن، هي مؤسسة إي منظمة مستمرة بحياة
منفصلة عن حياة الأفراد المكونين لها في إي وقت. ومن ثم يمكن تعريف الحكومة
على أنها المؤسسة التي من خلالها تصنع القرارات لحل المشاكل أو توزيع
المنافع والامتيازات. ولذلك فإن لدى كل من الجامعات والشركات والأندية،
ونقابات العمال حكومة نظراً لأن لديها إجراءات منتظمة لاتخاذ القرارات وفرض
تطبيقها. وبمنظورها الأعم فإن الحكومات تشير ببساطة إلى هذا الشرط المتعلق
بالقاعدة أو السلطة المنتظمة.
ومع ذلك فإن اهتمامنا سيكون بالقرارات
التي تكون جماعية بطبيعتها وتؤثر على المجتمع بكامله. أي الحكومة في المحيط
العام بدلاً من الحكومة في المحيط الخاص أو التنظيمات الأدنى. فنحن مهتمين
أساساً بالتوجه السياسي للحكومة على المستوى القومي وفي الحقيقة فإن مصطلح
الحكومة يستخدم في الغالب وفق هذا المنظور، للإشارة إلى الوزراء الذين
يتولون مسئولية الوزارات الرئيسية. ويشار هنا إلى أن عملية صنع القرار
السياسي في المحيط العام تتميز بثلاث خصائص أساسية هي:
1- صنع القرار
السياسي عملية سلطوية. فالقرارات ليست بطبيعتها استشارية أو مجرد اقتراحات ،
فالقوة أو التهديد باستخدامها تقف وراء تلك القرارات فضلا عن وجود مشاعر
محددة بأنها ينبغي أن تطاع . وحتى في حالة مخالفه الفرد للقرارات فإنه
سيشعر في داخله بأنه ينبغي ألا يفعل ذلك بل أن بحثه عن أعذار لتبرير فعله (
تجاوز حد السرعة المسموح به مثلا) يعتبر في حد ذاته إقرارا من الفرد
بضرورة اتباع القرارات . هذه المشاعر هي ما يسميها علماء السياسة (الشرعية)
أي قبول الشعب واعترافهم بقوانين النظام السياسي .
2- تتميز عملية صنع
القرار السياسي بتوزيع الإيجابيات والسلبيات . فالقرارات التي يتخذها
النظام السياسي ليست محايدة في نتائجها ,حيث يستفيد منها البعض ويتضرر منها
البعض الأخر. فعندما يقرر النظام السياسي مثلا ماذا كان ينبغي رفع أو خفض
مقدار الضرائب فانه سيكون هناك حتما جماعات مستفيدة من ذلك القرار وأخرى
متضررة، وكذلك الحال مع تحديد نطاق السرعة على الطرقات.
3- القرارات
السياسية في المحيط العام تصنع لمجتمع بكامله وليس لجماعة أو فئة بحالها .
فالجامعة أو الشركة مثلا تستطيع أن تصنع قرارات سلطوية توزع بموجبها
الإيجابيات والسلبيات إلا أن قرارها ينطبق فقط على المنتمين إليها ولا
يتجاوزه لجماعات أو منظمات أخرى أما سلطة القرار السياسي في المحيط العام
فتشمل كل المجتمع فلابد أن يخضع كل الأفراد و المؤسسات والجماعات لسلطته.
باختصار
يمكن القول بأن الحكومة تتخذ قرارات لتحديد من يحصل على الأشياء القيمة في
المجتمع وذلك لحل الخلافات بين الافراد والجماعات. وفي هذا السياق كتب
ديفيد وفي هذا السياق كتب ديفيد إيستن:
حتى في اصغر وابسط المجتمعات يجب
أن يتدخل شخص ما باسم المجتمع ومدعوما بسلطة ذلك المجتمع ليقرر كيف تحل
الخلافات حول الأشياء القيمة ، ويمثل هذا التوزيع السلطوي للقيم الحد
الأدنى من متطلبات أي مجتمع...... وكل مجتمع يوفر بعض الآليات مهما كانت
بدائية لإيجاد حل سلطوي للخلافات حول الأهداف التي يسعى للوصول إليها، أي،
من يحصل على ما هو متوفر من الأشياء المرغوبة .
لماذا تعتبر الحكومة ضرورية؟
إن
أفضل طريقة لتقييم الحاجة إلى الحكومة هي النظر إلى الحالات اللاتي تختفي
فيها الحكومة بحالتها التي نعرفها. ماذا يحدث عندما تتنافس جماعات متعددة
مع بعضها على القوة في المجتمع . وهناك حالات حول العالم حدث فيها مثل هذا
الفراغ. وأحد أبرز الأمثلة يتمثل في الصومال التي اختفت فيها الحكومة
المركزية منذ بداية التسعينات. حيث أصبحت العاصمة مقديشو نفسها مقسمة بين
عدد من زعماء الحرب يسيطر كل منهم على جزء منها.
فعندما تنافس زعماء
الحرب الصوماليين على السيطرة على مناطق معينة كانت الحرب هي النتيجة ،
التي نشرت الخراب والمجاعة . وبشكل عام فإن تنافس قوى مسلحة معقدة باستخدام
السلاح وغياب الحكومة الموحدة يعني أو يساوي حربأً أهلية .
وكما يشير
مثال الصومال فإن أحد الأهداف الأساسية للحكومة هي حفظ الأمن والنظام. من
خلال حفظ السلام تحمي الحكومة الشعب من العنف على أيدي الجيوش الخاصة أو
الأجنبية. كذلك تهدف الحكومة إلى تحقيق العدالة وحماية الناس من عنف
المجرمين. فإذا غاب الأمن والنظام فليس ممكناً تقديم أي منافع أخرى يتوقعها
الناس من الحكومة.
إلا أن النظام ليس هو القيمة السياسية الأهم فقط.
فالعراق تحت حكم صدام حسين شهد قدراً من النظام. إلا أن ذلك الأمن بالنسبة
لعدد من العراقيين اتخذ شكل (سلام القبور) حيث قتل عدد كبير من الناس من
قبل قوات الأمن لأتفه الأسباب في بعض الأحيان. ولذلك فإن توفير الحماية من
عنف المجرمين المحليين أو الجيوش الأجنبية ليس لوحده كافياً. فالمواطنون
يحتاجون أيضاً إلى حماية من إساءة استخدام السلطة من قبل الحكومة.
وتمثل
الحرية هدفاً مهماً آخر يمكن تحقيقه في ظل الحكومة. ولذلك فإن الحرية تمثل
قيمة مهمة يمكن للحكومة تعزيزها لكنها يمكن أيضاً أن تستخدم ضد الحكومة.
3- الدولة
يتم
استخدام مصطلحي الدولة والحكومة في الغالب للإشارة إلى شيء واحد لكن
الأكثر دقة هو أن ننظر إلى الدولة على أنها أكثر شمولاً من مؤسسات الحكومة.
فالدولة هي النظام السياسي بكامله وبهذا فهي تتضمن السلوك والمواقف
السياسية التي تعتبر خارج إطار الحكومة. وضمن حدود جغرافية معينة فإن
الدولة تجسد الثقافة السياسية لمواطنيها والتي بدورها يمكن أن تكون نتاج
لقوة صناعة القانون التي بأيدي المسئولين في المناصب العامة. ولذلك فإن
الوحدة الجغرافية ، والثقافة السياسية والعمليات السياسية التي تشملها
الدولة تجعلها أكثر قابلية للاستمرار والبقاء بين أية ترتيبات محددة
للبناءات الحكومية. وبهذه النظرة فإن الحكومة يعبر عنها في العادة بأدوات
صياغة وتنفيذ السياسة ضمن حدود الدولة.
ومن ثم فإن مصطلح الدولة يعتبر
أوسع نطاقاً من مصطلح الحكومة ويشمل كل المناصب التي تصنع قرارات جماعية
وتقوم على تنفيذها للمجتمع بكامله. ووفقاً لهذا المصطلح فإن الوزراء،
القضاة والشرعيين، والبيروقراطيين وجنرالات الجيش والشرطة يشكلون جميعاً
جزءاً من شبكة واحدة من المناصب العامة وتعرف تلك الشبكة بمصطلح الدولة.
ومع أن مصطلح الدولة يشير إلى فكرة مجردة لكنه مصطلح قوي جداً ، فالدولة
يمكن أن تكون مصدراً للنفع أو مصدر للتهديد. فمع أن الدولة تعبر عن فكرة
مجردة إلا أنه باسم الدولة يسجن أناس ويصبح آخرون أغنياء عن طريق عقود
التسليح ويقتل آخرون في الحروب دفاعاً عنها (Edelman, 1964,P.1).
أننا
نعيش اليوم في عالم الدول، فمعظم سطح الأرض مقسم في الوقت الحاضر بين دول
يدعى كل منها الحق وحدها في حكم إقليمها الخاص بها. وفي الحقيقة فإن كل
الدول تتأثر بالطبع بالتطورات التي تحدث خارج حدودها فكل دولة تتاجر أو
تتورط في حروب كما أن الأفكار لا تعترف بالحدود. ومن ثم فليس هناك ما يمكن
أن يسمى بدولة منعماوالة عن العالم الخارجي. ومع ذلك فإن أي دولة مهما كانت
صغيرة وضعيفة لا تزال ، من الناحية النظرية، تتمتع بالسيادة على إقليمها.
ومن ثم فماذا نعني بالدولة على وجه التحديد؟
تشير الدولة إلى مؤسسات صنع
القرار السلطوي لمجتمع بكامله، بحيث تصبح كل الجماعات والمؤسسات والأفراد
فيها خاضعة لها من الناحية القانونية. بمعنى آخر أن لها المكانة الأعلى
قانونياً وأن سلطتها إجبارية. والدولة كما يقول دال (1984) هي المنظم
الأساسي للاستخدام الشرعي للقوة ضمن الأقاليم.
وهذا لا يعني أن الدولة
هي المؤسسة الوحيدة في المجتمع التي تستخدم القوة. فهناك بالطبع العنف
الإجرامي، والعنف الرياضي والعنف الأسري، كما أن هذا التعريف لا يعني أن
القوة هي الوسيلة الوحيدة للمحافظة على وجود الدولة. فالعنف يمثل مصدراً
غير مستقر للسلطة والقوة على الأقل على الأمد الطويل. ولذلك فإن هذا
التعريف يعني ضمناً أن الدولة يجب عليها أن تدعم وبنجاح ادعاءها بتنظيم
اللجوء إلى القوة. فهناك قلة من الناس يمكن أن يزعموا بأن من حق المجرمين
إطلاق النار على رجال الشرطة إلا أن معظم الناس يتفقون على أن هناك ظروفاً
تبرر إقدام رجال الشرطة على إطلاق النار على المجرمين – على سبيل المثال في
حالة التعامل مع السارقين المسلحين أو الخاطفين والارهابيين.
وعندما
يصبح احتكار الدولة للاستخدام المشروع للقوة مهدداً فإن استمرار تواجدها
يصبح معرضاً للخطر. فالحروب الأهلية على سبيل المثال تعتبر في حقيقتها
خلافاً حول من ينبغي أن يحكم الدولة في إقليم معين. وعندما يستمر ذلك
الخلاف لا يصبح هناك سلطة شرعية وربما تختفي الدولة ذاتها.
*الدولة القومية
يعتبر
مفهوم الدولة القومية ذا أصول أوروبية حيث تمت المصادقة رسمياً على نظام
الدولة القومية في معاهدة السلام في وستفاليا 1648م التي رسخت السلام بين
الفرقاء الأوروبيين بعد حرب الثلاثين عاماً .ومنذ ذلك الوقت تم تقسيم معظم
أرجاء الكرة الأرضية إلى دول قومية بحدود جغرافية محددة .
إلا أن
المشاكل تبرز عندما تحتوي حدود الدولة قوميات مختلفة. بل و أن كثيراً من
تلك الحدود وخاصة في العالم غير الأوروبي قد رسمت بطريقة عشوائية من خلال
قوى الاحتلال الأوروبية كما هو الحال في معظم أنحاء إفريقيا وكثير من أصقاع
آسيا وأمريكا اللاتينية . وفي مثل هذه الحالة يمكن أن يتسبب افتقاد
التجانس القومي في إثارة مشاكل سياسية خطيرة. وفي العصر الحاضر شهد العالم
تفكك دول كانت تعتبر مستقرة نسبياً وصناعية كالاتحاد السوفيتي ويوغسلافيا
إلى دول قومية اصغر حجماً وأكثر تجانساًً. ويشير هذين المثالين إلى هشاشة
الدول التي تحاول ضم قوميات عديدة ومختلفة. وبدورها شجعت مؤسسة الدولة
القومية نمو فكرة القومية ، التي يمكن تعريفها على أنها الشعور العاطفي
بأولوية الولاء للوطن من قبل المواطنين.
ومع أن الماركسية تؤكد على أن
الولاء الرئيس للعمال ينبغي أن يكون لطبقتهم الاجتماعية إلا أن الأحزاب
الماركسية وجدت بشكل مستمر أن العمال قد استبدلوا الولاء الطبقي بالوطنية
القومية عندما تتعرض بلدانهم للتهديد. ويمكن للحماس القومي أن يمّكن
الحكومة من العمل بكفاءة أكثر لكنه أيضا يمكن أن يتسبب في تشجيع الحكومات
كي تسلك نهجاً أكثر عدوانية ويجعلها اقل تقبلاً لإيجاد حلول لخلافاتها مع
الدول الأخرى.
ويمكن تصنيف الدول إلى ديمقراطية، استبدادية وشمولية.
وهناك تنوعات في كل من تلك الأصناف، إلا أن النماذج الثلاث تلك توفر إطارا
أساسيا للأغراض التنظيرية ،ويمكن التمييز بين كل من الأصناف الثلاثة من
خلال مدى السماح بالممارسة السياسية الحرة لمواطنيها.
4- السيادة
للدولة
وجهان يكون الجانب القاسي منها مختفياً عن الأنظار وهو يمثل الرغبة في
استخدام القوة لتنفيذ رغباتها. أما الجانب اللين، الذي لا يقل أهمية،
فيستند على قدرة الدولة على إقناع مواطنيها بالطبيعة القانونية والشرعية
لسلطتها. وترتبط فكرة السيادة بوجه الدولة اللين، فالسيادة تشير إلى مصدر
السلطة في المجتمع حيث أن المفهوم يعتبر قانونياً بدلاً من أين يكون
فعلياً.
والسيادة تكون للهيئة التي تتمتع بحق صناعة القوانين للبلاد ففي
بريطانيا على سبيل المثال تتمثل هذه الهيئة في البرلمان. وتعتبر بريطانيا
مثالاً للسيادة الواضحة والمركزة حيث بإمكان البرلمان إصدار أية قوانين دون
أن يقيد البرلمانات التي تعقبه، ولا يستطيع القضاة إبطال تشريعاته كما أنه
ليس هناك هيئة أخرى تستطيع إصدار قوانين تطبق في تلك البلاد، باستثناء
المجموعة الأوروبية التي تعتبر تشريعاتها ملزمة بشكل مباشر لبريطانيا كما
هو الحال مع الدول الأعضاء الأخرى في المجموعة حتى لو لم يتم الموافقة على
تلك التشريعات من قبل البرلمانات الوطنية.
ومع أن الهيئة المخولة إصدار
القانون تمتلك سيادة داخلية – أي الحق في صنع قوانين ملزمة ضمن حدود
الدولة. إلا أن للسيادة بعداً خارجياً أيضاً. والسيادة الخارجية تشير هنا
إلى اعتراف القانون الدولي بأن للدولة سلطاناً قضائياً على الإقليم. وهذا
يعني أن الدولة مسئولة عن ذلك السلطان القضائي في القانون الدولي. وتعتبر
السيادة الخارجية موضوعاً مهماً لأن جميع الدول تدعي الحق في تنظيم
العلاقات بين بلادها وبقية العالم. وفي الحقيقة فإن السيادة الخارجية تزداد
أهمية بعدما أصبح العالم أكثر اعتماداً على بعضه البعض. ومن ثم فإن ادعاء
السيادة يعني وضع إشارة تحذير للدول الأخرى تطالبها بالابتعاد، ومع أنه ليس
هناك في الواقع دولة واحدة تستطيع أن تفرض سيطرتها الكاملة على الأحداث
ضمن حدودها إلا أن ذلك لا يعني إلغاء لحق الدولة في السيادة.
وتؤكد
النظرية التقليدية للسيادة على الحاجة لوجود هيئة سيادية واحدة ضمن إقليم
معين. وفي هذا السياق لاحظ وليام بلاكستون في تعليقاته على قوانين بريطانيا
أن "لابد أن يكون في كل دولة سلطة سامية مطلقة لا يمكن مقاومتها أو
السيطرة عليها وهي التي لها الحق في السيادة، وهنا يلخص بلاكستون تفسيراً
للسيادة كان قد قدمه أولاً الفيلسوف الفرنسي جان بودين الذي عرف السيادة
على أنها السلطة غير المقيدة أو غير المقسمة لصناعة القوانين. وقد كان هدف
بودين يتمثل في الحفاظ على امتيازات الملكية الفرنسية حيث عزز عمله هذا
التطورات اللاحقة للملكية المطلقة في فرنسا.
أما في عالم اليوم الأكثر
ديموقراطية واعتمادية فإن التعرف على موقع السيادة لا يعتبر سهلاً كما كانت
تفترض ذلك النظرية التقليدية. ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال تتوزع
السيادة بين الكونجرس والرئيس والمحكمة العليا والولايات الخمسين المكونة
للاتحاد. ولدى الولايات المتحدة حكومة دستورية أكثر مما هو الحال في
بريطانيا إلا أن لديها نظاماً يشتت السلطة بدلاً من تركيزها، ومن ثم فإن
الولايات المتحدة تمثل حالة للسيادة بدون سيد.
وحتى في البلدان ذات
الحكومة البرلمانية يمكننا الزعم بأن الشعب يجب على الأقل أن يتقاسم
السيادة مع البرلمان نظراً لأن سلطة البرلمان تنبع جزئياً من دوره
التمثيلي، ومن ثم فإن تحديد موقع السيادة في الواقع ليس بنفس السهولة التي
تقول بها فكرة سمو البرلمان.
كما يؤدي الاعتماد المتبادل بين الدول إلى
جعل موضوع السيادة أكثر غموضاً حيث أن المجال المتنامي للالتزامات الدولية
للدولة القومية يقلص مجال المناورة المتاح للحكومات. كذلك فإن ظهور العوامل
فوق القومية مثل الاتحاد الأوروبي الذي لديه القدرة على تجاوز البرلمانات
القومية في بعض الموضوعات يهدد أيضاً الأفكار التقليدية للسيادة. وتعمل هذه
التغيرات تدريجياً على أضعاف فكرة السيادة مع تنامي الفجوة بين خيالية
السيادة ذات المصدر الوحيد وحقيقة الاعتماد المتبادل، مما يعني أن أفكار
بودين وبلاكستون قد عفى عليها الزمن.
5- القوة
لقد
حاول الناس منذ أقدم العصور فهم قواعد القوة، ولماذا توجد وكيف يمكن
الحصول عليها. وتعتبر القوة موضوعاً أساسياً في السياسة فهي إحدى لبنات
البناء لعلم السياسة وهي مفهوماً محورياً لهذا العلم بنفس أهمية النقود
للاقتصاد. وبينما يتقبل كل علماء السياسة أهمية القوة إلا أنهم يختلفون حول
ماهيتها وتحديدها وكيفية قياسها. وهناك بشكل عام وجهتا نظر رئيستان حول
تعرف القوة.
الأولى، القائمة على فكرة الإجماع، تعّرف القوة بشكل عام
على أنها نتاج التأثيرات المقصودة، وبأنها المقدرة على الحصول على ما نريد.
ولنأخذ مثالاً واضحاً هنا فالرؤساء لديهم قوة أكثر مما لدى الفلاحين نظراً
لأن الرؤساء يمارسون تأثيراً أكبر على مسيرة الأحداث. ونلاحظ هنا أن
التأكيد هو على القوة، بمعنى القدرة على تحقيق الأهداف، بدلاً من القوة
بمعنى، ممارسة السيطرة على الآخرين، ويرتبط هذا الاقتراب للقوة بعالم
الاجتماع الأمريكي تالكوت بارسونز (1967) الذي أعتبر أن القوة السياسية
تشير إلى مقدرة الحكومة على الاعتماد على التزام مواطنيها لتحقيق أهداف
مشتركة مثل القانون والنظام والحماية من الاعتداء والنمو الاقتصادي، وكلما
كانت الحكومة أكثر قوة كلما كانت أكثر كفاءة على تحقيق أهداف المجتمع.
وبذلك فإن القوة السياسية بالنسبة لبارسونز ليست فقط مجرد تنافس جماعة
اجتماعية واحدة أو حرب سياسي مع الآخرين للفوز بالسيطرة على الدولة وإنما
القوة في نظره هي الأداة التي تمكن الحكام من تحقيق أهداف المجتمع. ومع ذلك
يعتبر عدد من علماء السياسة وجهة نظر بارسونز هذه ضيقة جداً "ومحافظة أكثر
مما ينبغي". ويعتقدون بأن السياسة أكثر من مجرد عملية تقنية لتطبيق رؤية
يعتنقها جميع أفراد المجتمع.
أما الثانية فتنظر في مقابل ذلك إلى
السياسة كحلبة صراع حول ماهية الأهداف التي ينبغي تحقيقها. ولذا فإن
أنصارها يميلون إلى تعريف القوة من منظور ما هي الرؤية التي تنتصر. وما يهم
هنا هو تحديد من يدير الدفة. على سبيل المثال هل يسيطر على الحكومة حزب
محافظ هدفه الرئيس حماية مصالح رجال الأعمال والشركات؟ أو حرب اشتراكي مهتم
بمصلحة الاتحادات العمالية؟
وهنا فإن وجهة النظر الضمنية للقوة تقوم
على فكرة الخلاف بدلاً من الإجماع ووفق هذا المنظور فإن القوة ،كما يقول
روبرت دال، تعني القدرة على تحقيق المراد في مواجهة المعارضة في العادة
وأنها تتمثل في دفع الناس إلى القيام بعمل أشياء لم يكونوا ليقوموا بها
بمحض اختيارهم (Dahl-1957). وهذا يعني القوة بمعنى التغلب والسيطرة بدلاً
من القدرة على تحقيق أهداف مشتركة.
ومن وجهة نظرنا فإن كلا النظرتين
السابقتين للقوة تعتبران مهمتان. إذ أن السؤال عن ما مقدار القوة التي
تتمتع بها حكومة ما هو بنفس أهمية السؤال عن من يمارس تلك القوة. فالسؤال
الأول يتعلق بمقدار القوة بينما الآخر يتعلق بكيفية توزيعها. ويوازي السؤال
المتعلق بمقدار القوة المتاحة لحكومة ما السؤال الاقتصادي عن ما هو عدد
السلع التي ينتجها اقتصاد ما ومن الجهة الأخرى فإن السؤال المتعلق بتوزيع
القوة "من يمارس القوة؟" يماثل في علم الاقتصاد السؤال المتعلق بمن هو
الغني ومن هو الفقير؟
ولتوضيح هذا الفارق بين المعنيين ننظر إلى حالة
الاتحاد السوفيتي في بداية التسعينات. ففي ذلك الوقت ركز معظم المراقبون
على المناورات السياسية المعقدة التي كانت تدور في موسكو. هل فقد جورباتشوف
ثقته في الاصلاحيين ومن ثم أتجه إلى الاتجاه المحافظ؟ وهو تساؤل ممتع بلا
شك لكنه يتجاهل تضاؤل كمية القوة المتوفرة لدى موسكو آنذاك. حيث كانت أكثر
التطورات أهمية في الاتحاد السوفيتي أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينات
تتمثل في انهيار السلطة المركزية. فالجمهوريات كانت تتجاهل وغالباً ما
تناقض الأوامر الصادرة من السلطة المركزية في موسكو. وتوقفت الحكومة
المركزية عن القيام بوظيفتها. وكانت السفينة السوفيتية تغرق بينما كان
القادة وكثيراً من الصحافيين يتشاجرون حول من كانت بيده عجلة القيادة. ومع
ذلك فعندما لا يحكم أحد فماذا يهم من يكون الحاكم؟ وقد كان الاتحاد
السوفيتي في حالة احتضاره يعطي مثالاً لكيف يمكن لكمية القوة المتوفرة
للحكومة المركزية أن تتضاءل إلى الحد الذي يصبح معه موضوع توزيعها هامشياً.
ويمكن
ممارسة القوة بطرق مختلفة. وإذا ما سئل شخص للتعبير عن القوة من خلال
إيماءه رمزية، فإنه ربما يعبر عن ذلك برفع قبضته. وتعتبر هذه الصورة مقبولة
من بعض الوجوه، فالعنف يعتبر بدون شكل شكلاً من أشكال القوة. فتكرار
الحروب بين الدول وداخلها تؤكد أهميتها في التاريخ. ولكن إذا كان التاريخ
يهتم بما هو أكثر من الحروب فإن القوة أيضاً تتضمن ما هو أكثر من القسر.
وفي هذا السياق فقد وضع (Boulding 1989) تصنيفاً دقيقاً لأشكال القوة،
عندما قال بأن الناس يحصلون على ما يريدون باستخدام القوة أو التوصل إلى
اتفاق أو خلق أو إنشاء التزامات (أنظر جدول 1.1) أي أننا يمكن أن نميز بين
العصا والاتفاق والحب.
ويرتبط التهديد باستخدام العنف (العصا) بالمؤسسات
القسرية مثل الجيش والشرطة. ويبرز هذا الخيار عندما يقول أ لـ ب أما أن
تفعل هذا الأمر لي أو..... ويعتبر استخدام هذا الشكل أساساً لقوة الدولة
وعلى الرغم من أنها تعتبر حلاً أخيراً في السياسة المدنية العادية، إلا أن
وجودها يظل داعماً لعدد من العلاقات السياسية. فعلى سبيل المثال قد تهدد
الدولة بحرماننا من حرياتنا إذا لم ندفع الضرائب أو نحارب في صفها أو نطيع
قوانينها. وغالباً ما يكون التهديد ضمنياً إلا أن ذلك يدل على كفاءته وليس
عدم أهميته. ولذا يقال بأن العصا التي تبقى قابعة في الخزانة هي أكبر العصي
الموجودة.
أما التبادلية أو (المقايضة) فهي أكثر شيوعاً وأكثر كفاءة من
الخيار السابق "العصا"، ويبرز هذا الخيار عندما يقول أ لـ ب أفعل شيء ما
لي وفي المقابل أعطيك شيء تريده. فبينما يقوم خيار العصا على التهديد
بالعقوبات السلبية فإن خيار الاتفاق يقوم على توقع الفائدة. ومع ذلك فإن
كلا الخيارين السابقين يمثلان شكلان للقوة لأنهما يعبران عن وسيلتين يحاول
بهما الفرد أن يغير سلوك فرد آخر.
وتعتبر المقايضة قاعدة العلاقات
الاقتصادية لكنها مع ذلك تعتبر مهمة جداً في السياسة. فعلى سبيل المثال فإن
العلاقات بين الدولة ومواطنيها يتم تحليلها في الغالب وفقاً لفكرة التعاقد
بين الجانبين. وتقوم التبادلية على موافقة المواطنين على الخضوع لسلطة
الدولة في مقابل توفير الدولة لمظلة حمائية لهم، وبتوفيرها لقوة شرطة،
ونظام تعليمي، وحد أدنى من الرفاه الاجتماعي. كما يدفع المواطنون الضرائب
في مقابل قيام الدولة بتوفير الخدمات. ومع أن هذا التعاقد يعتبر خيالياً
إلا أن المقايضة التبادلية التي يقوم عليها تؤثر على طريقة سلوك المواطنين
أي أنه ببساطة عندما يشعر الناس بأن الدولة تعطي مثلما تأخذ فإنهم أكثر
احتمالاً لطاعتها ومن ثم يصبح النظام أكثر استقراراً.
أما خلق
الالتزامات أو ما يعبر عنه (بالحب) فإنه يشير إلى القدرة على غرس الولاء،
الاحترام والالتزام. ويظهر ذلك عندما يقول أ لـ ب أفعل شيء ما أريده لأنك
تحبني، أو تحترمني أو تشعر بالتزامات تجاهي. وعندما ننظر إلى أمثلة لتلك
الالتزامات فإننا نفكر طبيعياً في المقام الأول بالمؤسسات الاجتماعية مثل
الأسرة أو المسجد أو جمعيات النفع العام إلا انه يمكن القول بأن القدرة على
الإلهام أو التأثير على الناس هي الأكثر أهمية من بين الأشكال الثلاثة
السابقة للقوة. وفي هذا السياق فإن القومية والدين تعتبران أمثلة لقوى قوية
ثم استغلالها من قبل القادة (وحتى من قبل المعارضة بشكل أكبر) لدفع الناس
للتضحية بأنفسهم.
ويزعم بعض الناس بأن فكرة ممارسة القوة من خلال
الالتزام تمثل تناقضاً في المصطلحات فإذا كان أ يقوم باختياره بعمل ما
يريده ب فهل يعني ذلك أن أ يمارس في الحقيقة قوة أو سلطة على ب؟ إذا تبرع
الناس للقتال في الحرب فهل يعني أن الدولة تمارس قوة أو سلطة عليهم من خلال
تشجيعهم على تسجيل أسمائهم للانخراط في الحرب؟ وهذا يعتمد على ما إذا كنا
نريد تعريفاً محدوداً أو واسعاً للقوة Power ، فالاقتراب المحدود ينظر
للقوة على أنها القدرة على فرض وجهات نظر جهة ما ضد المعارضة، إلا أن علماء
السياسة الراديكاليين سيزعمون بأن هذا التوجه مقيداً بشكل كبير وأن قوة
الحبLove power هو الشكل الأكثر مكراً للمصطلح.
فعلى سبيل المثال يزعم
لوكس (1974) بأن القوة تمارس كلما تم تجاهل المصالح الحقيقية للناس حتى لو
كان هؤلاء الناس غير مكترثين بمصالحهم. وبالنسبة له فإن أ يمارس سلطة أو
قوة على ب عندما يؤثر أ على ب بطريقة مناقضة لمصالح ب. ولذلك فإن المصنع
الذي يلوث بلدة ما يمكن أن يخفي ذلك عن السكان. وعندئذ يرى لوكس أنه في
حالة نجاح المصنع في ذلك فإنه يكون قد مارس قوة أو سلطة حتى لو كان السكان
غير منتبهين لمشكلة التلوث – ومن ثم غير قادرين على الاعتراض عليها. حيث أن
مصالحهم قد تضررت.
وبالمثل فإن الحكومة التي تستغل الحماسة الوطنية لكي
تزيد معدلات التجنيد العسكري تمارس أيضاً السلطة أو القوة على المجندين –
لأنه هل من صالحهم التضحية بحياتهم في مكان بعيد؟ وسواء اعتبرنا تلك أمثلة
للقوة أو السلطة أم لا إلا أنه يجب علينا أن نقبل بأن المناورة بمعرفة وقيم
وتفضيلات الآخرين تعتبر وبشكل كبير أفضل طريقة للسيطرة عليهم.
استخدام القوة "العصا" التوصل لاتفاق "الجزرة" خلق التزامات "الحب"
الطبيعة تهديد قسري مبادلات إنتاجية علاقات تكاملية
دافع الطاعة الخوف الكسب الولاء والالتزام
المؤسسة عسكرية اقتصادية اجتماعية
وتتضمن
القوة السياسية على نحو نموذجي خليطاً من القسر أو الإكراه، والتبادلية
والالتزام. ولنأخذ الضرائب كمثال، فأخذ النقود من الشعب يعتبر مهمة أساسية
لكنها مخادعة يجب أن تقوم بها أي دولة بقدر معقول من الكفاءة على الأقل.
فأحد الأسباب التي تدفع الناس للدفع هو عنصر الإكراه خوفا من عقوبة الدولة
إذا ضبطوا وهم يتهربون من الدفع. أما السبب الثاني فيتمثل في التبادلية
فالناس مستعدون لدفع الضرائب من أجل الحصول على خدمات مثل الصحة والتعليم
والرعاية الاجتماعية. أما السبب الأخير فيمثل في الشعور بالالتزام: ماذا
سيحدث لو لم يدفع كل واحد ضريبته؟ ولذا فإن قوة الدولة الحديثة تستند على
قدرتها على الاعتماد على مصادر متنوعة للإلتزام بحيث يدعم كلاً منها الآخر.
وبإيجاز فإننا قد استعرضنا ثلاثة تفسيرات للقوة وهي :
1 – القوة بمعنى القدرة على إنجاز الأهداف الجمعية.
2 – القوة بمعنى القدرة على فرض مشيئة طرف على المعارضة.
3 – القوة بمعنى التأثير على الناس بطريقة تكون معاكسة لمصالحهم الخاصة.
ويحتمل
أن يكون الاقتراب الثاني هو المعنى الأكثر قرباً للتفسير الشائع أو
المألوف للقوة، ومع ذلك فإن الأنماط الأخرى الأقل قسرية (اعتماداً على
الإكراه) تعتبر بنفس الأهمية أيضاً في التأثير على الناس، وفي الواقع فإن
علاقات القوة تستند في الغالب على توليفة من العوامل.
6- السلطة
تعتبر
القوة القسرية شكلاً غير مجدياً للحكم تماما كما أن الاستعباد يعتبر غير
فعال نظراً لأن هناك حاجة لمراقبة العبيد كما أنهم على أي حال يفتقدون لأي
التزام تجاه عملهم. وبناء عليه فإن القوة القسرية تكون غير مستقرة وغير
فعالة أيضاً، ولذلك يقال بأن أولئك الذين يعيشون بواسطة السيف يموتون
غالباً بالسيف. ومن ثم فإن المعضلة الأساسية التي تواجه الحكام تتمثل في
كيفية إضفاء الشرعية على حكمهم – أي كيف يمكن تحويل القوة إلى سلطة، ولكن
ما هي السلطة؟
تشير السلطة إلى الحق في الحكم، وتظهر عندما يعترف
الخاضعون بحق المهيمنين على إصدار الأوامر. فعلى سبيل المثال يمكن لجنرال
ما أن يمارس القوة على الأسرى من جنود الأعداء لكنه لا يملك سلطة عليهم حيث
أن سلطته تكون مقتصرة على قواته الخاصة. وفي نفس الوقت فإن السلطة هي أكثر
من مجرد الإذعان الاختياري، فالاعتراف بسلطة الحكام لا يعني الموافقة على
قراراتهم، أنه يعني فقط القبول بحقهم في إصدار القرارات وواجب الأفراد في
طاعتها. فعلى سبيل المثال يمكن ألا توافق على طلب أستاذك على قراءة هذا
الكتاب لكنك هنا تقرأه وهذا يعني أنك قبلت سلطة أستاذك.
ولا تزال علاقات
السلطة هرمية. وفي الحقيقة فهي غالباً ما تكون بمثابة ورقة توت تغطي
التهديد باستخدام القوة. فالجنود على سبيل المثال يذعنون للجنرالات لأنهم
سيواجهون حكومة عسكرية إذا رفضوا الإذعان، وهؤلاء الذين يدّعون السلطة يمكن
ألا ينتظروا حتى يتم الاعتراف بتلك السلطة. وبالمثل فإن الطلاب يذعنون
للمعلمين لخشيتهم من العقوبات المترتبة على عدم الإذعان حتى وأن كانت تلك
العقوبات أقل بكثير مما يواجهه الجنود أمام محكمة عسكرية. وفي الحقيقة فإن
العلاقات السياسية تجمع نموذجياً بين عناصر كل من القوة والسلطة.
وكما
أن للقوة عدة مصادر فكذلك السلطة، ويشار هنا إلى أن عالم الاجتماع الألماني
الشهير ماكس فيبر قد أورد تحليلاً مهماً لمصادر السلطة عندما ميّز بين
ثلاثة طرق لاضفاء الشرعية على القوة السياسية (أنظر جدول 2.2). ويتمثل
النموذج الأول في الإشارة إلى قداسة وأهمية التقاليد :
ففي السلطة
التقليدية نظراً إلى النظام القائم على أنه مقدس أبدي لا تمس حرمته كما
يعتقد سلطة الشخص أو الجماعة المهيمنة على الآخرين، التي عادة ما تأتي عن
طريق التوارث، هي مقدرة ومحتوية، وأن الرعية يرتبطون بالحكام من خلال
التبعية الشخصية وتقليد الولاء فضلاً عن تدعيم ذلك بواسطة المعتقدات
الثقافية مثل الحق المقدس للملوك.
وكما أشار Blau (1963) فإن كل أنظمة
الحكومات تقريباً قبل ظهور الدولة الحديثة تمثل الادعاءات التقليدية
للسلطة. إلا أن السلطة التقليدية لا تناسب المجتمعات المتغيرة. وفي العالم
المعاصر فإن السلطة التقليدية تقدم قاعدة للحكم في عدد محدود من الملكيات
الوراثية مثل السعودية ونيبال وعمان، حتى أن بعضاً من تلك الأنظمة قد بدأت
تذعن لرياح الديموقراطية التي اكتسحت العالم في أواخر الثمانينات.
وتعتبر
السلطة الكاريزمية أو الملهمة النموذج الثاني للسلطة لدى فيبر. وهنا يطاع
القادة لأنهم يلهبون حماس اتباعهم الذين يضفون على أبطالهم صفات استثنائية
وأحياناً أسطورية. وبينما تستند السلطة التقليدية على الماضي فإن السلطة
الكاريزمية ترفضه وتزدريه. وخلافاً للاستخدام الجماهيري فإن الكاريزما
بالنسبة لفيبر ليست صفة ضمنية للقائد بل أنها تميز العلاقة بين القادة
والاتباع. فالقادة الكاريزميين يعتبرون أشخاصاً مؤثرين يظهرون في أوقات
الأزمات والقلاقل ويعتبر غاندي ومارتن لوثر كنج ومانديلا وعبد الناصر وحتى
أدولف هتلر أمثلة رئيسة للقادة الكاريزميين. كما يعتبر دور الخميني في
إعادة صياغة إيران بعد سقوط الشاه في 1979 مثالاً أكثر حداثة لذلك.
ومع
ذلك فإن السلطة الكاريزمية تعتبر قصيرة العمر ضمنياً إلا إذا استطاع القائد
الكاريزمي تحويل سلطته إلى مؤسسة دائمة. ويطلق على هذه العملية (روتنة
الكاريزما) Routinizoition of Charisma ، ففي إيران مثلاً استطاع آية الله
الخميني إنشاء نظام إسلامي استمر بعد وفاته في 1979.
أما المصدر الثالث
للسلطة بالنسبة لفيبر فهو ما يطلق عليه بالنموذج القانوني – العقلاني. وهذا
النموذج هو النقيض تماماً للسلطة الكاريزمية. فهو يعني أن الخضوع لا يكون
لشخص وإنما لمجموعة من المبادئ – حكومة القانون بدلاً من حكومة الأفراد.
ولذلك فإن الخاضعين في منظمة ما يجب أن يذعنوا للمطالب القانونية لرؤسائهم
بغض النظر عن من يحتل المناصب العليا. وقد أعتقد فيبر بأن السلطة القانونية
العقلانية ستصبح المهيمنة في المجتمع الحديث وقد كان محقاً.
وتعتبر
البيروقراطيات الحديثة أفضل مثال للمنظمات القائمة على السلطة القانونية
العقلانية، فنحن نذعن للقوانين ليس بدافع الخوف فقط ولا بدافع التقاليد أو
الولاء الشخصي لقائد الشرطة مثلا ولكن لأننا نشعر أن القانون والنظام يعتبر
ضرورياً ومرغوباً في مجتمع عقلاني. فنحن أذن نعترف بسلطة القانون- وليس
قوة القائمين على تنفيذه فقط.
وبإمكان السلطة القانونية العقلانية الحد
من إساءة استخدام القوة وذلك لأنها قائمة على المنصب وليس الشخص، حيث قد
يكون هناك مسئولين يتجاوزون صلاحياتهم. وإذا كان لدينا شجاعة كافية فإننا
نستطيع عندئذ أن نرفض الإذعان وبشكل مشروع. والشرطة تستطيع أن تستجوبك ولكن
في بلد منظم جيداً لن يكون بإمكانهم ضربك أو تعذيبك إذا رفضت الإجابة. وفي
الواقع فإن الناس الذين يملكون وسائل القوة يستخدمونها في الغالب حتى
عندما لا يكونون مخولين القيام بذلك. إلا أن استناد القوة إلى المنصب بدلاً
من الفرد فضلاً عن إيضاح حدود تلك القوة يساعد بالفعل على احتواء إساءة
استخدامها.
أما نقطة الضعف الرئيسية في تقسيمات فيبر فتتمثل في عدم
إعطائه اهتماماً كافياً لكيفية تحويل القوة إلى سلطة، فلنفترض بأن شخص ما
قاد انقلاباً عسكرياً ناجحاً في دولة صغيرة، وتم طرد الرئيس السابق، وتمت
السيطرة على محطة الإذاعة واستطاع أن يضع أحد أقربائه في منصب قيادة الجيش،
فماذا عليه أن يفعل بعد ذلك؟ كيف يمكن بناء سلطته حتى لا يواجه نفس مصير
سابقه؟ أن هذا يعتبر عملاً سياسياً بحتاُ، فالبندقية يمكن أن تصل بالشخص
إلى المنصب ولكنها لن تبقيه هناك للأبد.
أن مجرد البقاء سيساعد،
والإذعان الذي تم