واقع السدود في الجزائر
فتيحة نور
في حديث مع البروفيسور"رميني
بوعلام" أستاذ بجامعة البليدة والحاصل على شهادتي دكتوراه دولة، واحدة
خصصها لموضوع التصحر وأثره في تدهور الواحات ناقشها بفرنسا،والأخـرى ناقشها
بالمدرسة العليا المتعددة التقنيات بالجزائر، عالج فيها ظاهرة توحل السدود
واقترح حلولا عملية لهذه الظاهرة الطبيعية التـي بدأ دراستها سنة 1992
واستغرقت 05 سنوات.
قال البروفسور أنه من الأوائل في الجزائر الذين
درسوا الموضوع دراسة ميدانية(أمثال الأستاذ عبد المجيد دماق) في وقت بدأت
فيه ظاهرة توحل السدود تأخذ أبعادا مقلقـة متسببة في ضياع ما لا يقل عن 32
مليون متر مكعب من الماء كل سنة وهو ما يعادل سدا واحدا.
بداية دراسة
الظاهرة لم تكن البتة سهلة، حيث تزامن ذلك مع تصاعد موجة الإرهاب بالجزائر
في التسعينيات، ممّا جعل العمل الميداني شبه مستحيل، ومع كل هذا فضّل
البروفيسور"رميني بوعلام" أن يمضي قدما ليختار سد إغيل عمدة بولاية بجاية
حوالي 300 كلم شرق العاصمة الجزائر لإجراء تجاربه.
ويُعتبر سد إغيل عمدة
مـن السدود المهمة في البلاد، إذ أنجز عام 1950 وكانت آنذاك قدرته
الاستيعابية حوالي 150 مليـون متر مكعب تناقصت في أيامنا هذه لتصل إلى 100
مليون متر مكعب بسبب تراكم 50 مليـون طن من الطمي جراء التوحل.
توجد هذه
الظاهرة الطبيعية في كل سدود العالم، وتختلف من منطقة إلى أخرى حسب
التضاريس وتوفر عوامل أخرى، وليست هي بالحدة في المناطق الممطرة كما هـو
الحال في المناطق التي تعرف قلة التساقط وتذبذبه كالجزائر مثلا.
وخلال
سنوات الجفاف الماضية وكبقية دول شمال إفريقيا، فإن موسم هطول الأمطار
بالجزائر يبدأ من نوفمبر وإلى غاية أوائل أفريل، وهـي فتـرة أقل طولا من
موسم الحرارة الذي يسود فيه المناخ الجاف متسببا في جفاف التربة وتفتيت
جزيئاتها لتحل مكانهـا جزيئات هوائيـة.
ومع هطول أولـى الأمطار تؤثر شدتها على تماسك الجزيئات فتضعفها، مما يجعلها عرضة لجرف السيول.
وكل
سنة تزداد الأراضي الزراعية تقلصا، حيث لا تجد تربتها ما يثبتها خصوصا تلك
التي تتعرض للحرث العشوائي، وكل سنة يذهب 4000 طن من التربـة في كل
كيلومتر مربع إلى السدود أو إلى البحر عبر الوديان. وقد صدق فلاحونا حين
أسمو الأمطار الأولى التي تجرف التربة "صلاّحـة النوادر".
ومن جهة أخرى
تؤثر نوعية التربة في زيادة هذه الظاهرة وكلّما كانت خفيفة انجرفت كميات
معتبرة منها محدثة توّحل السدود بالطمي، أو ترمل الموانئ وتقلص المساحات
الزراعية.
و قد أفادت عملية تحليلية للطمي أن 80% منه يأتي من حوض
التغذية، و20% المتبقية من ضفاف الوديان المؤديـة للسدود، وعند حدوث
الفيضانات فإن المياه المحملة بالطمي تلج إلى السدود في شكل تيار يمـر تحت
المياه الصافية يسمى بالتيار الكثافي. يصل التيار الكثافي إلى غاية صمام
التفريغ ويساعده في ذلك شكل السد، إذ كلما كان ضيق الجوانب كانت سرعة
التيار الكثافي أكبر.
ومع هطول الأمطار في فصل الشتاء، قام البروفيسور
"رميني بوعلام" بوضع مسطرة خشبيـة ذات تدريجات دقيقة لحساب ارتفاع التيار
الكثافي وسرعته، فوجد أنه حين تكون المياه الواردة إلـى السد مهمة، فإن
التيار الكثافي يتوغل إلى داخل السد في مدة تقدر بحوالـي 03 ساعات قاطعا
بذلك مسافة 08 كلم تقريبا، وهـذا ما يؤدي إلى توحل السدود. ولم يكتفي
الأستاذ رميني المتخصص فـي السدود والمياه بما لاحظه داخل سد إغيل عمدة
ببجاية وإنما نقل نفس المنهجية المتبعة لتشمل سد وادي الفضة بالشلـف غرب
العاصمة بحوالي200 كلم وكذا سد غريب بالمدية 100 كلم باتجاه العاصمة.
إذا
كان هـذا هو المشكـل الناجم عن هذه الظاهرة الطبيعية التي تزيد حدتها مع
امتـداد شهر الجفاف، فما هو التصرف الذي يراه البروفيسور مناسبا حتى لا
نفقد سدودنا؟..
يرى البروفيسور"رميني بوعلام"، الحاصل على الجائزة
الثانية في مسابقة نظمتها فرنسا لاختيار أحسن دراسة تتناول مشكل توحل
السدود، أنه يجب تزويد السـد بعدد من الصمامات، ويتم قياس تركيز الماء داخل
السد كل ساعة انطلاقا من غرفة التشغيل ، فإذا كانت النتيجة 1000 كلغ في
المتر المكعب، فإن الماء صاف وليس هناك تيار كثافـي أي طمي، أمّا إذا بلغت
النتيجة 1010 أو أكثر، فإن هذا معناه وجود تيار كثافي، فنقوم بفتح إحـدى
الصمامات ليزيد تدريجيا عـدد الصمامات المفتوحة بزيادة التيار الكثافي
وبهذا يُتفادى دخول كميات معتبرة من الطمي.
ولا يمكن بأي حال من الأحوال
فتح كل الصمامات دفعـة واحدة حتى لا يؤدي ذلك إلى تفريغ السد بصورة تضيع
معها كميات مهمة من المياه،فلا تدري نفس ماذا تخبئ لها السماء غدا؟.
حل
مثل هذا، لم يلقى استحسان بعض أصحاب القرار- في الجزائر، فهم يرون فيه ضياع
للمياه المحتجزة، وفي الحقيقة،هم لا يدركون أن عـدم تنفيس السد، إن صح قول
ذلك، تقابله أخطار عدة منها: زيادة كمية الطمـي المترسبة داخل السد، فساد
نوعية المياه ونمو الطحالب داخله، وحتى عدم إمكانية فتح صمام التفريغ
الرئيسي بعدما يتراكم فوقه الطمي.
وقد يحدث فقدان السد جراء ضغط الماء
والطمي المسلطين عليه، وتكون الكارثة الكبرى عند وقوع زلزال – لا قـدر
الله- فسيغرق المكان ومن فيه ليس في شبر ماء بل على أقل تقدير في 230 مليون
متر مكعب.
ولإعطاء البرهان على أرض الواقع، طبق البروفسور رميني بوعلام
طريقة التفريغ التدريجي للصمامات على سد إغيل ببجاية، فكانت النتيجة مذهلة
بينت كل المؤشرات أن مدة فعالية السد ستكون ثلاث مرات أكبر ممّا لو بقي
على حاله.
من بين 114 سد منتشرة عبر تراب الجزائر، 52 منها مصنفة كسدود
كبيرة (سد كبير بمعنى قدرته تفوق واحد مليون متر مكعب)ويبلغ مجموع طاقتها
الاستيعابية 5.2 مليار متر مكعب، أكبرها سد بني هارون (1مليار م3) فـي ميلة
شرق العاصمـة، ومـن بين السدود 52 حوالي 15 سد متضررة بشكل كبير جراء
التوحل .
وفي سنة 2004، بلغ حجم الطمي المترسب في مجموع هـذه السدود 900
مليون متر مكعب. وليس التوحل وحده الذي يهدد السدود، فإلى جانبه توجد
ظاهرة التبخر التي لم تتناولها أي دراسة رغم ضياع متوسط 250 مليون متر مكعب
وهي كمية تكفي لملء سد كبير.
وغير بعيد عن السد، على مستوى ضفاف حوض
التغذية يتسرب ما مقداره 30 إلى 35 مليون متر مكعب، كمية تستدعي مد قنوات
لاسترجاع الماء الضائع واستغلاله في الزراعة.
وليست هذه كل المشاكل التي
تعاني منها السدود الجزائرية فهناك كذلك عدم توفـر الأراضـي المناسبة بسبب
صعوبة التضاريس في بعض المناطق رغم احتواءها على شبكة مـن الوديان، تضيع
دون استغلالها.
أمّا السدود القائمة فهـي تشكو سوء الصيانـة أو غيابها
حتـى ولو كانت في قلب العاصمـة مثل سد بني عمران الذي بلغت فيه نسبة التوحل
60% بعدما تراكمت وباتت تكلفة تصفيته باهظة.
هل يمكن استغلال الطمي وكيف؟..
زيادة
علـى فتح الصمامات من حين لآخر، يقترح البروفيسور "رميني بوعلام" تنظيف
السدود من الطمي المتجمع لربح كميات معتبرة من المياه، ويمكن استعمال هذه
المادة وفق مكوناتها في عدة مجالات منها: صنع الآجر- زيادة خصوبة التربة
الزراعية- صنع الخزف- تغطية المكبات العمومية.
وكخلاصة يقول البروفيسور
"رميني بوعلام" أن وقايـة السدود من خطر التوحل تبدأ من حوض التغذية (قبل
السد)، باللجوء إلى نصب حواجز على ضفتي الوادي المـؤدي إلـى السد وتكون هذه
الحواجز متباعدة بالتساوي وغير متقابلة.
أما على مستوى القرار، على
الحكومة أن تضع قضيـة السدود على رأس قائمة الأولويات المستعجلة، وتسعى
بشتى السبل لاسترجاعها لأن تكلفة إنشائها باهضة،كما أن تضاريس البلاد لا
تسمح بإيجاد مواقع مناسبة لذلك، كل هذا حتى لا تتحول سدودنا إلى أطلال لا
توحي بالخير بل بالأسى.
منقول للفائدة