مراحل تطور النقد الأدبي
يتصل
النقد الأدبي اتصالا مباشرا , فهو الأساس الذي يرتكز عليه العمل الأدبي ,
وذلك لان قواعده مستقاة ومستنتجه من دراسة الأدب , وكما يقوم النقد بدور
أساسي في نجاح العمل الأدبي ,وارتفاع شأنه , وذيوع صيته .مفهوم النقد :
تعددت معاني النقد في اللغة .. فمنها :
تميز الدراهم لتبين حاله جودتها من رداءتها فيقال : نقدت الدراهم .ومنها نقد الجوز بالإصبع لاختيارة وتعرف حاله .
زمنها
ضرب الطائر بمنقارة في الفخ ليكشف عما وراءه ومنها العيب والتجريح كما في
حديث أبي الدرداء :رضي الله عنه " إدا نقدت الناس نقدوك , وإن تركتهم
تركوك" . أي اذا عبتهم عابوك .
المفهوم الاصطلاحي للنقد:للنقد
عدته تعريفات منها .. الكشف عن جوانب النضج الفني في النتاج الأدبي
وتميزها مما سواها عن طريق الشرح والتعليل , ومن ثم يأتي بعد دلك الحكم
العام عليها .
ويتضح من ما سبق إن للنقد عمليتين أساسيتان هما التفسير والتقويم .
فبالتفسير يقف القارئ على ما في النص كم قيم جماليه مثل :الصور والإيقاع والموسيقى ويوضح العلاقات الفنية والمعنوية بين عناصر النقد.
اما
التقويم .. يستطيع القارئ مستعينا بالممارسة الأدبية والخبرة النقدية إن
يصدر أحكاما على النصوص من حيث الجودة أو الرداءة أو بقوة التأثير العاطفي
أو ضعفه.
كما أن بعض النقاد يعدون النقد عمليه إبداع , فهو يحتاج لموهيه تصقل بالتدريب والإكثار من قراءة النصوص الأدبية
مراحل تطور النقد الأدبي ..
مر
النقد الأدبي بمراحل متعددة , بداء بالنقد البسيط الذي يصدر بصورة عفويه
شفوية دون تدوين أو ضوابط منهجيه واضحة ثم انتقل لمرحله التدوين التي
أسهمت في تطوير ورقي الكثير من العلوم والفنون والمعارف ,ثم انتهى الى نقد
منهجي يقوم على قواعد وأسس , مثلما يقوم على بيان الأسباب التي قادت
للنتائج التي يتضمنها التفسير او التقويم .
مراحل تطوير النقد الأدبي :
" مرحله ما قبل التدوين "..(من العصر الجاهلي حتى مطلع العصر العباسي )
منشأ
النقد في العصر الجاهلي مع نشأة الشعر , وعندما ننظر للشعر الجاهلي نجد
انه وصل الى مستويات عالية من الجودة والإتقان , حيث خضع لأنواع من
التهذيب حتى بلغ مبلغ الكمال من الإتقان ..ويظهر دلك من خلال المغلقات .
إذ يراجع الشاعر قصيدته ويعيد النظر فيها فتمكث حولا كاملا عنده يحسنها
ويهذبها ويقومها كما يظهر عند أصحاب الحوليات .وكانت أسواق العرب في
الجاهلية - واشهرها سوق عكاظ ودي المجاز ودي المجنه مركز تلاقي الأدباء
فيجتمع فيه الشعراء من قبائل عدة فينشرون ما لديهم من جديد الشعر فيتلقاه
المستمعون بالتعليق والنقد وبرز من هده الأسواق علماء بالشعر يتحاكم إليهم
الشعراء بجودته قصائدهم ومن اشهرهم النابغة الذبياني
نموذج من أحكام النابغة الذبياني :
حيث
اجتمع لديه الأعشى وحسان بن ثابت والخنساء , فقدم الأعشى , وأخر حسان فغضب
حسان . وقال له : "والله لانا اشعر منك !, فقال له النابغة : "حيث تقول
مادا " فقال حسان : " حيث أقول :
لنا الجفنات الغر يلمعن في الضحى ....................ز وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
فقال
النابغة : انك شاعر , ولكن أقللت أجفانك وأسيافك . فقد عاب عليه استخدام
"جفنات " و "أسياف " لأنها تفيد القلة وأما الكثير منها يقال له "جفان "
و" سيوف " , وعاب عليه استعمال "الضحى " وكان الابلغ أن يقول "الدجى " لان
الضيف أكثر ما يكون طروقا بالليل .
النقد في صدر الإسلام :نزل
القرآن فتأثر الناس بسحر بيانه وقوة إعجازه وأصبح الاعتزاز بالدين الجديد
بما يحمله من مبادئ وأخلاق فاضلة من أهم الموضوعات التي تطرق لها الشعراء
في أشعارهم .
ومن نماذج النقد في الإسلام :أن
النبي أعجب بقصيدة "بانت سعاد "لكعب ابن زهير واستحسنها حتى خلع عليه
لردته وقالوا انه عليه الصلاة والسلام استمع لكعب بن مالك الأنصاري وهو
ينشد حتى وصل الى قوله " مقاتلنا عن جذمنا كل فخمة " فقال له الرسول صلى
الله عليه وسلم "لا تقل جذمنا ولكن قل عن ديننا " (والجذم هو الأهل
والعشيرة ) .
النقد في العصر الأموي :ازدهرت
الحركة الأدبية في العصر الأموي وساعد على ارتقاء الشعر و الخطابه وجود
تغيرات في الدولة الأموية .حيث توسعت البلاد وكثرت فيها الحواضر مثل :دمشق
والبصرة والكوفة والحجاز واصبحت هذه الحواضر مركزا ثقافيا حضاريا ومركزا
لاستقطاب الشعراء والأدباء
من نماذج النقد في العصر الأموي :إن عبد الله بن قيس الرقعات دخل على عبد الملك بن مروان فأنشدة قائلا :
يأتلق التاج فوق مفرقه ........................ على جبين كأنه الذهب
فقال له عبد الملك : يا بن قيس تمدحني بالتاج كأني من العجم وتقول في مصعب بن الزبير :
إنما مصعب شعاب من الله ...................تجلت عن وجهه الظلماء
فأعطيته المدح بكشف الغمم وجلاء الظلم , ومدحتني بما لا فخر فيه وهو اعتدال التاج على جبيني الذي هو كالذهب في النظارة .
المرحلة الثانية مرحله التدوين : "من العصر العباسي الى بداية العصر الحديث "
ظهرت
ملامح النقد المنهجي عند العرب مع بداية العصر العباسي حيث بداء العرب
بتدوين كتبهم ومعارفهم , كما إن تداخل الثقافة العربية مع الثقافات
الأجنبية أدى الى صقل ملكات العرب , وإرهاف ذوقهم , وتوجيههم نحو تعميق
البحث في شتى فنون الحياة , فمنذ بداية القرن الثالث للهجرة بداء النقد
يخطو خطوات متقدمه الى الدقة والتحليل والتعليل , واخذ يتجه نحو الوصول
الى النقد المنهجي القائم على أساس ثابت تبلورت من خلاله المنهجية للنقد
الأدبي الحديث عند العرب .
ويمكن القول إن النقد في هده المرحلة ابتعد
عن الانطباعات الشخصية في إصدار الأحكام , وأصبح نقدا منهجيا له أصوله
وقواعده .ومن اشهر المؤلفات النقدية : كتاب (فحول الشعراء) للأصمعي 216 هـ
, وكتاب (طبقات فحول الشعراء )لابن الإسلام الجمحي 232هـ , وكتاب (الشعر
والشعراء )لابن قتيبية 267هـ , وكتاب (البديع)لابن المعتز 296هـ , وكتاب
(الوساطة بين المتنبي وخصومه)للقاضي الجرجاني 392 هـ .
نماذج من النقد في العصر العباسي :
أن الجاحظ رأى عمرو الشيباني يستحسن قول الشاعر :
لا تحـسبن الموت موت البلى إنما الموت سؤال الرجال كلاهـــما موت ولكـن ذا أفـضع من ذاك السؤال
والبيتان
يتضمنان فكرة تهذيبية , وحكمة سامية , وهي النهي عن ذل المسألة وإراقة ماء
الوجه , فسؤال الرجال هو والموت سواء , بل هو أشد على النفس من الموت ,
لما فية من الذل.
هذه الفكرة التي أعجبت أبا عمرو , اما الجاحظ فإنه
يخالفه الرأي ويرى أن البيتين ليسا من الشعر في شيء فهو يؤيد الفكرة
السامية لكنه ينتقد أسلوب الكاتب وعباراته الركيكة .