أغراض الشعر الجاهلي
بقي
الشعر الجاهلي أسير نزعات ورغبات وأهواء الإنسان في العصر الجاهلــي ،
يمثل نفسيـة هذا الإنسان وما يخالجهــا مـن عواطـف وأحاسـيس ، ولذلك أطلـق
عليـــــه مصطلح ( الغنائية والوجدانية ) لأنّـه رافق المغنين والمنشدين،
ولم يستقل عن الغناء إلا مع بدايةالإسلام. يقول حسان بن ثابت: تغن بالشعر إما أنت قائلـه إنّ الغناء لهذا الشعر مضمار
وقد
أطلق على الشعرالجاهلي ديوان العرب ، لأنّه يمثل حياتهم ويصورمآثرهم أدق
تصوير ، فكان الشعر بمثابة الصحافة اليوم , حيث كان الشاعر الجاهلي صحفيّ
قوميّ ، أو وزيرإعلام لقبيلته ينقل إلىالآخرين كل ما يتعلّق بمفاخرالقوم
وقد كتب الشعراء الجاهليون في الأغراض التالية :
1- الشعرالحماسي:
وهوالشعرالمتحدث عن تشجيع أفراد القبيلة لقتال العدو، وهـويمثل حقيقة
الصراع القبلـي علـى أرض الجزيرة ، وما يحدث مـن وقائع بين تلك القبائل ،
حيث يتطرق الشـاعر إلـى المثــل العليا المتمثلة بالشجاعة ، البطولـة ،
وخوض معامـع المــوت واستهانـة الإنسان الجاهلـي بأعدائه . والمتصفح لقصائد
الجاهليين يجد أنّ معظم قصائدهم تتطرق إلـى غرض الحماسة كما عنـد
الشـاعرعبدالشارق عبد العزى في وصف معركة جرت بين قبيلتي جهينة و بهثة :
ردينة لـو رأيتِ غداةَ جئنـا علـى أضحاتنا وقـــد اجتوينا
فأرسـلنا أبا عمــرو ربيئنا فقال : ألا أنعَموا بالقوم عينا
فناد َوا يالبهثــة أذرأونــــا فقلنا : احسني ضــرباً جهينا
فآبوا بالرماح مكسّـــراتٍ وأبنا بالســيوف قـــد انحنينا
فباتوا بالصّعيد لهم أماحٌ ولو خفّت لنا الكلمى سَرَينا
سمات الحماسة في الشعر الجاهلي:
• الحديث عن البطولة . وصف ضخامة العدو .الحديث عن الشجاعة . الاستهانة بالموت . الدفاع عن حُرم القبيلة .
2- الفخــــــــــــــــر: وهو ذكر محاسن الإنسان والاعتزاز بهذه المحاسن ، وهو نوعان :
1- فخر ذاتي . 2- فخر قبلي .
الفخر
الذاتي : ويتمحور حول المفتخر بنفسه مع المبالغة فيها أحياناً كأن يصور
الشاعر نفسه أحياناً بأنّه بطل شجاع قوي ، يتسم بالقيم الحسنة ، يغيث
الملهوف ، ويعين صاحب الحاجة ويحمي المرأة . يقول طرفة بن العبد في معلقته :
إذا القوم قالوا من فتىً خلتُ أنني عنيت فلـم أكســـل ولـم أتبلّدِ
أنا الرجل الضرب الذي تعرفونه خشاش كرأس الحية المتوقدِ
الفخر
القبلي : وهوافتخار الشــاعر بصنائع قبيلته البطولية مع تعصب للقبيلة
كمــــا صنــــع الأعشى في الإشادة بأبطال قبيلته بكر عندما وقفوا في وجه
كسرى في معركة ذي قار :
وجند كسرى غداة الحِنو صبَحهم منّا كتائب تزجي الموت فانصرفوا
وخيل بكر فـما تنفكّ تطحنهــــــم حتـى تولّوا وكـاد اليــوم ينتصــف
وبين الحماسة والفخر وشائج قربى لأنّ كلا الأمرين يبرز قيم الجاهلية وقد عبّر الصعـــا ليك الجاهليون عن رفضهم للفقر وافتخروا بصبرهم على الجوع كما قال الشنفرى : وأستفُ تُرْبَ الأرض كي لا يرى له عليّ من الطول امرؤ متطوّل
3- الهجـــــــــــاء:
وغرضه التقليل مـن قيمة المهجو ومحاولـة نزع القيــم الايجابيـة عنــــه
ويعتمد علــى الصفات السلبية كالبخل والجبن والغدر والتقاعس عـن طلب
الثأروالخيانة والفرار مـن الحرب وكان الشــاعر الجاهلــي الهجّاء يحصل على
ما يريد اتقاء لشره ، يقول زهير بن أبي سلمى :
وما أدري وسوف إخال أدري أقـوم آل حصن أم نســاء
ويقول حسّان بن ثابت :
لا بأس بالقوم من طولٍ وعرض جسم البغال وأحلام العصافير
ولم يكن الشعر الجاهلي المعتمد على الهجاء فاحشاً كما فعل المتنبي مع فاتك الأسدي حيث قال :
ما أنصف القوم حنبهْ وأمّه الطرطبهْ
أو كما قال شعراء النقائض :
قوم إذا استنبح الأضياف كلبهم قالوا لأمهم بولي على النار
وقد أنكر النابغة الإفحاش في السباب والهجاء :
فإن يك عامر قد قال جهلاً فإنّ فطنة الجهـل السِّبــاب
فلا يذهبْ بلبْكَ طائشات من الخيلاء ليس لهنّ باب
وقد يصل الهجاء بالشاعر أن يهجو نفسه أو والديه كما فعل الحطيئة .
4- المـــــــــــــدح
: يعتبرالإنسان المـدح كظاهرة نفسية جزءا مهما من حياته ، وهــو بطبعه
مفطورعلـى ذلك ، يحب مـن امتدحه ، ويبغض مـن هجاه وظاهــرة المـدح
عنــدالشـــــعراء الجاهليين
بدأت مكافأة ومحبة وانتهت تكســباً وبحثاً عـن العطايا ، وإذا كان
العربــــي نزّاعاً للأخلاق الحميـدة ، والشــمائل الســامية ، فإنّــه
أعجب كشــاعر بممدوحــه لـوجـود صفات الشجاعة والرأي السـديد والكرم والعفة
وغير ذلك مـن الصفات المتناسبـة بالبيئة الجاهليـة ، وقــد يتداخل المدح
بالفخر حينما يثني الشـاعر علـى فرسان القبيلة وأبطالها ، وربما تداخــل
بالغزل حينما يريد الشاعر أن يصف أخلاق امرأة ما ، ولمّـا صارت ظاهرة المدح
ظاهـــرة تكسب ، قَدِم الشعراء على الملوك الذين قدّموا لهـم الأعطيات ،
وجعلوا مكانتهم مكانة سامية كما صنع الغساسنة والمناذرة مع النابغة وحسان
والشعراء الآخرين ، وقد وصف مدح زهير بالصدق إذ لـم يكن يمدح الرجل إلا بما
فيه . يقول زهير فـي مدح الحارث بن عوف وهرم بن سنان اللذين تحملا ديات
القتلـــى بين عبس وذبيان فــي حربهم التــي استمرت ما يقارب (40) عام :
يميناً لنعم الســـيدان وجدتما على كلّ حال من سحيل ومبرم
تداركتما عبساً وذبيان بعدما تفانوا ودقوا بينهم عطر منشــم
وقـد كان مـدح الأعشى مختلفاً إذ أنّه كان متكسـباً فــي شــعره علــى حـد اعترافاته كمـا قال لممدوحه قيس بن معد يكرب :
فجئتـك تـرتاد مـا خبـروا ولولا الذي خبّروا لم ترنْ
فلا تحرمني بذاك الجزيلَ فإنـي امرؤ قبلكم لــم أهـنْ
أما حسان بن ثابت في جاهليته ، فقد كان يأتي من المدينة إلى منطقة الخمان في حوران لمدح
الغساسنة ، وقدأبرز صفاتهم العربية أيما ابراز وذلك في قوله :
لله درُّ عصابــــة نادمتهــــــم يوماً بجلّق فـي الزمان الأولِ
بيض الوجوه كريمة أحسابهم شمّ الأنوف من الطراز الأول
5-الاعتـــــــــــــــــذار:
وقدنشأهــذاالفن تحت ظلال المديح وتفرع عنه ، واتخذ مـن صفات الممدوح مطية
له ، ويعد النابغة المؤسس الأول لهذا الفن بـد خلافه مع النعمان بن
المنذروقد روى في ذلك أنّ النابغة قد اطلع على عورة الملك النعمان ، ونظم
بذلك قصيدة يعرّض فيها بصفات زوجة النعمان ، ومطلعها :
سقط النصيف ولم ترد اسقاطه فتناولته ، واتّقتنا باليد !
مما جعل النعمان ينقم على الشاعر ويهدر دمه فيفر النابغة بإرسال القصائد معتذراً إليه وقد
تميز الاعتذار بما يلي :
1- تداخل عاطفة الخوف والشكر والرجاء .
2- التلطف والتذلل والاسترحام .
3- اظهار الحرص على المودة .
يقول النابغة معتذراً :
فبت كأنـي ساورتني ضئيلـة مـــن الرّقش في أنيابها السمّ ناقع
فإنك كالليل الذي هو مدركي وإن خلت أنّ المنتأى عنك واسع
وقـد
كان الشــاعر بشر بن أبي حازم قد اعتذر مـن أوس بن حارثة الطائي بعـد أن
هجاه الأول وأهدر دمه فاعتذر الشاعر عندما وقع في يده أسيراً :
وإني لراج منك يا أوس نعمة وإني لأخرى منك يا أوس راهب
فهل ينفعني اليوم إن قلت إنني سأشكر إن أنعمت والشكر واجب
6- الرثاء: وهـو فن لا يختلف مـن المديح إلا بكون الممدوح ميتاً اللهم إلا أن ذكرصفات
المرثي
الحميدة تقترن بالحزن والأسى واللوعة على افتقاده، ولو رحنا نستعرض
المراثي الجاهلية لوجدنا أن الشعراء قـد رثوا أشخاصاً يتميزون بالسيادة أو
بالقرى ، فالخنساء قـد رثت أخاها صخرا حيث قالت :
وإنّ صخراً لتأتم الهداة بــه كأنـه علـمٌ فـي رأسـه نار
كما أنا نجد أبا ذؤيب الهذلي يرثي أولاده الذين فقدهم ، يقول :
أمن المنون وريبها تتوجــع والدهر ليس بمعتب من يجزعُ
كما أن المهلهل قد رثى أخاه كليب الذي قتله جساس المري في حرب البسوس ،يقول:
دعـوتك يا كليب فلم تجبني وكيف يجبنـي البلــدالقفارُ
سقاك الغيث إنك كنت غيثاً ويسراً حين يلتمس اليسارُ
ويتسم الرثاء عند الجاهليين بما يلي :
1- التفجع على فقدان المرثي .
2- اتصاف المرثي بالبطولة " حمّال ألوية، هبّـاط أودية " ...
3- اتصافه بالقيادة " للجيش جرّار" .
4- اتصافه بالسيادة وقت الأمن : " وإن صخراً لوالينا وسيدنا " .
5- اتصافه بالكرم في أيام الشتاء .
يقول
دريد بن الصمة راثياً أخاه : لأن يك عبد الله خلا مكانه فما كان وقافاً
ولا طائش اليد أما رثاء الشـعراء الصعاليك فقـد اتسم بالغضب والثورة وطلب
الثأر كمـا صنـع الشــــــاعر الصعلوك تأبط شراً :
إن بالشـعب الذي دون سلع لقتيـلاً دمــه مـا يطـلّ
خلّف العبء عليّ ثم ولّــى أنا بالعبء لـه مسـتقل
ووراء الثأر مني ابن أخت مصقع عقدته ما تحـلُّ
7- الحكمـــــة: استقلت
الحكمة كغرض من أغراض الشعرالجاهلي وكانت نتيجة للتجربة والبيئة المحيطة
ولـم تكن صادرة عــن فلسفة مستقلة إذ أن الموت والاعتبار به قـد أفرز ظاهرة
الحكمـة عنـد الشــعراء ولذلك نجد أن الشـاعر زهير بن جناب الكلبـي يوصـي
أولاده بعد أن طال عمره وصايا أبرزها : " الموت مع شىء من العزة والقوة
أفضل من الحياة مع الضعف " .
والموت خير للفتـى فليهلكنْ وبــه بقيــة من أن يرى الشيخ وقد يهادى بالعشية ، يقول علقمة بن عَبَدَه :
والحمد لا يشترى إلا له ثمن مما يضنُّ به الأقوام معلومُ
والجـود نافيـة للمال مهلكـة والبخل باقٍ لأهليه ومذموم ويقول طرفة بن العبد في وصف الموت :
لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى لكالطول المرخى وثنياه باليد ويقول زهير :
رأيت
المنايا خبط عشواء من تصب تمته ومن تخطىء يعمّر فيهرم وقد بلغت الحكمة في
معلقته مبلغاً عظيماً فقد كانت فطرية بيئية متناسبة مع الحياة الجاهلية
ولكنها مستقاة من الحنيفية دين ابراهيم :
وأعلم علم اليوم والأمس قبله ولكنني عن علم ما في غدٍ عمِ
8- الغزل والنسيب: وهو الغرض الذي أكثر الشعراء من الحديث عنه نظراً لتعلقه بالمرأة وما تتصف به من محاسن ، والإنسان بطبعه يميل إلى المرأة أو العكس ، وقد اتسم الغزل والنسيب
بما يلي :
1- وصف المفاتن الجسدية للمرأة .
2- وصف الخصال المعنوية .
3- التودد إليها .
4- بث العواطف نحوها .
5- الشكوى من هجرانها .
وقد اتخذ هذا الغزل عند الجاهليين صوراً متعددة :
أ?- البكاء على الديار وذكر المرأة من خلال ذلك "مطالع المعلقات" كقول امرىء القيس :
قفا نبكي من ذكر حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل
ب- صورة وصف الرحيل المتمثل بالنساء الراحلات ، يقول المثقب العبدي :وهــن علــــى الجائــز مطلّبات طويلاتُ الذوائب والقــــــــرون أرين محاســــناً وكنن أخــرى مــن الأجياد والبشـرَ المصـــون جـ ـ صورة وصف مفاتن المرأة الجسدية ، يقول الأعشى :غراء فرعاء مصقولٌ عوارضهـــا تمشي الهوينى كما يمشي الوجي الوحلكأن مشيتها مــن بيت جارتهــــــــا مـر الســــحابة لا ريث ولا عجــــــلُد ـ وصف الصفات النفسية كالعفة والحياء ، يقول الأعشى :ليست كمـن يكـره الجيران طلعتها و لا تـراهـا بسـر الجـار تختتــــــــــل هـ - وصف جرأة اقتحام الأخطار من أجل الوصول إلى المرأة ، يقول امرؤ القيس :سـموت إليها بعـد ما نام أهلهـــــا ســمو حباب المـاء حالا ًعلــى حــــال والغزل الجاهلي مادي أحياناً وعفيف أحياناً أخرى وهما مدرستان انبثق عنهما الغزل العمري والغزل العذري ، يقول عنترة واصفاً شدة حبه :وقــد ذكرتك والـرماح نواهـــــل مني وبيض الهنــد تقطر مـن دمـيفوددتُ تقبيــل الســـيوف لأنّهـــا لمعــت كبــارق ثغــرك المُبَسِّـــــم
9ـ الوصف :توزع
غرض الوصف في الشعر الجاهلي في ثنايا قصائد الشعراء فكان وصفاً لما وقعت
عليه عيون الشاعر وقد وصف هذا الشعر الجاهلي الناقة والفرس والأسد والليل
وغير ذلك .يقول عنترة يصف ناقته :فوقفت فيها ناقتي وكأنها فدنٌ لأقضي حاجة المتلوم ويقول امرؤ القيس في وصف الفرس :مكـرّ مفـرّ مقبل مدبـرٍ معـاً كجلمود صخرٍ حطه السيل من علِ ِِكما أن الجاهليين وصفوا المرأة و وصفوا الطبيعة و وصفوا الحمرالوحشية ،يقول الأعشى :تسمع للحلي وسواساً إذا انصرفت كما استعان بريح عشرقٌ زجلُ ويقول الأعشى في الخمرة : وقد غدوت إلـى الحانوت يتبعني شاوٍ مشلٌ شلولٌ شُلشُل شوِلُنازعْتُهم ُقضبُ الريحــان متكئاً و قهوةً مُرةً راووقُها خضـل يسعى بها ذو زجاجات له تطف مقلّص أسفل السربال معتمـل